لا تنتهي المواعيد الحاسمة في تاريخ الشعوب والدول، فكلما طويت مسافة بالبذل والجهد والعطاء جيلا بعد جيل، كلما ارتفع مستوى التحديات وظهرت رهانات تتطلب مضاعفة العمل وتضافر الجهود والتفاف كافة الشركاء السياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين حول المصلحة الوطنية الكبرى التي تهون أمامها كل التطلعات الذاتية والفئوية، مهما كانت طبيعتها. وبعد موعد 17 أفريل للرئاسيات، الذي ينبغي أن يقدم صورة رائعة للتعددية والديمقراطية السليمة في ظل سقوط عديد البلدان العربية والإفريقية في غياهب الفوضى والتشتت وضياع موارد الأجيال، أمام هجمة عنيفة للقوى العالمية الكبرى التي لا تترك فرصة إلا وجثمت بمخالبها على مقدرات الشعوب التي تفقد بوصلتها، ينبغي أن يتمسك الجميع بحماية الاستقرار، باعتباره القاسم المشترك للمجموعة الوطنية والضامن لديمومة وتيرة التنمية التي أدركتها البلاد بعد أن عانت، منذ أواخر الثمانينيات، من أزمة عميقة أدت خلال التسعينيات إلى نتائج قاسية.
من المفيد تحويل أوراق اختلاف البرامج إلى وقود للدفع بالمنظومة الاقتصادية إلى مستوى أكثر نجاعة، من خلال صياغة ورقة طريق تشمل كل الإيجابيات والاقتراحات التي تصبّ في اتجاه تعزيز القدرات وحشد الطاقات الوطنية التي تتوفر في شتى القطاعات الحيوية التي يمكن المنافسة فيها وتعميق الخيارات الجوهرية من الشراكة بين القطاعين العام والخاص ضمن المعايير الاقتصادية الواضحة وبصيغة الشراكة الوطنية الأجنبية على أساس تقاسم الأعباء والمنافع، مع الحرص بشكل صارم على تفعيل مسار مكافحة الفساد والوقاية منه، انطلاقا من توسيع آليات الشفافية حول جوانب تسيير المال العام وتوسيع أدوات الرقابة.
ما يتطلبه الظرف اليوم في مواجهة انعكاسات الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية وبالذات في منطقة اليورو، أن يبذل كل طرف، مهما كان الموقع الذي يحتله، كامل الجهود للإسهام في تنمية شروط بعث الفعل الاستثماري الاقتصادي، بدءاً من صيانة المناخ العام للمجتمع وحصر النقاش في شتى المسائل ضمن الأطر الخاصة الملائمة، بعيدا عن إخراجه إلى العامة التي تتطلع دوما للأحسن، من توفير للشغل إلى الارتقاء لمستوى من الرفاهية، مرورا بتطوير الموارد البشرية من خلال التحسين المستمر لمنظومة التعليم والتكوين ومطابقتها مع عالم الاقتصاد بكامل فروعه، يتقدمها تكنولوجيات الإعلام والاتصال الجديدة التي حان الوقت لتوظيفها بكثافة في حياة المؤسسات الاقتصادية.
عناصر تحقيق الانطلاقة الجديدة بإشراك كل الأطراف الايجابية متوفرة اليوم، إذا توفرت لدى الجميع تلك الإرادة القوية لخدمة البلاد، كل من موقعه، طالما أن الهدف هو كذلك. ومن بين الأوراق القوية التي تملكها الجزائر، إلى جانب قيمة الاستقرار ووضوح الرؤية للمستقبل، تخلصها من شبح المديونية الخارجية وارتياح وضعها المالي إلى جانب ورقة الطريق الاستثمارية الواعدة وتقاسم المجموعة الوطنية لمبادئ العدالة وكرامة العيش والتوازن بين جهات الوطن وتكافؤ الفرص بين أبنائه. وكل هذه القيم المشروعة لا يمكن تجسيدها إلا إذا انخرط الفاعلون في كل المجالات في ديناميكية العمل ضمن الانسجام والتناغم، فيتم تعزيز كل ما هو مكسب وتقويم كل ما هو اعوجاج في كنف الهدوء والسكينة التي تضمن وضوح الأفق الواعد.
بعث الاستثمار
سعيد بن عياد
11
أفريل
2014
شوهد:567 مرة