إن البيئة المفضلة للإشاعة و لمن يصنعونها أو يقفون ورائها هي الأوضاع الاستثنائية، لأن سلوكات البشر تصبح أكثر قابلية للتأثر بسرعة خاصة عندما يتعلق بحياة أو موت أو بالحاجيات الأساسية للإنسان من أجل البقاء وهي الغريزة التي تتغلب على كل الغرائز البشرية الأخرى فالإنسان عندما يواجه خطر الغرق سيفضّل جذع شجرة ينجيه على صفائح الذهب والفضة؟
الجميع لاحظ كيف أصبح الشارع الجزائري ضعيفا أمام الإشاعات التي رافقت هجوم جائحة كورونا "كوفيد 19" على بلادنا وبداية ظهور الإصابات الأولى وبداية موجات الهلع والخوف التي عمّت الشارع الجزائري الذي وجد نفسه ضحية تدفق هائل للإشاعات والأكاذيب جعلت المواطنين ينفرون جماعات وأفراد إلى محلات ومخازن السميد، إلى درجة اختلطت معها الأمور علينا، هل نواجه حالة وبائية أم نذر مجاعة -لاقدر الله- ؟.
التجمعات البشرية الهائلة و الطوابير الطويلة أمام محلات و مخازن السميد شكلّت مناخا مواتيا ليقفز الوباء بين الناس، سواء من خلال الرذاذ، العطس وغيرها من المنافذ الأخرى التي يصل عبرها إلى ضحاياه و يفتك بهم و هنا نتسائل، من الأخطر في مثل هذه السيناريوهات هل الوباء أم الإشاعة الخبيثة التي تنشره كما تنتشر هي كالنار في الهشيم، هل هذا بريء؟.
يبدو أن الإشاعة أخطر الأوبئة بل أشّد فتكا حتى من كورونا نفسه لأن هذا الأخير لم يلاحق أحدا إلى بيته بينما فعلت الإشاعة ذلك وأخرجت الناس من حجرهم الصحي وجعلتهم عرضة لخطر الموت و خلقت أجواء من الفوضى والارتباك المجتمعيين وقد لمسنا ماذا فعلت بالجزائريين نهاية هذا الأسبوع عندما تكدسّوا في طوابير طويلة أمام محطات الوقود بمجرد انتشار إشاعة إغلاقها، إلى درجة أن بيان وزارة الطاقة الذي نفى الخبر في اليوم الموالي لم يلق صداه جرّاء الانتشار الهائل لهذه الإشاعة؟.
إننا بحاجة إلى حملات توعية و تحسيس بخطر الإشاعة لا تقل في الكثافة عن تلك المخصصة للتحذير من خطر كورونا و مضاعفة العملية الاتصالية الرسمية والمؤسساتية وبشكل استباقي ومضاعفة جهود وسائل الإعلام المختلفة لقتل الإشاعة في مهدها، لأن في مثل هذه الظروف التي تمر بها البلاد يكون دمارها أكبر من كورونا أو من أي وباء آخر، لأن مصانع ومخابر الإشاعة تزدهر تجارتها الخبيثة عندما يكون الناس تحت وقع الصدمة و تكون معنوياتهم في أخض مستوياتها؟!.