أظهر وباء كورونا هشاشة النظام الصحي العمومي وضرورة إدراجه أولوية في مسار النهوض بالبلاد. وتأكد قول الوزير الأول أن إرث مرحلة حكم العصابة خلف كارثة يستوجب تجاوزها بتضافر جهود كافة الشركاء، ضمن توجه يرتكز على قيم المواطنة الصحيحة التي تلزم إعادة صياغة الأولويات ونبذ خطاب الإحباط.
هل يعقل أن لا تكون الجزائر رائدة في صناعة مستلزمات الوقاية من وباء مثل «كوفيد- 19» وهي التي تتوافر على نسيج صناعي في مجال الأدوية الأساسية والصيدلة، يمكن البناء عليه لإرساء بنية صلبة تكون جاهزة عند الاقتضاء، في وقت يقف فيه العالم على شفا انهيار غير مسبوق بفعل تداعيات الفيروس القاتل، ولنا في إيطاليا المثال، كيف تركها جيرانها وشركاؤها في الاتحاد الأوروبي والجغرافيا تواجه مصيرا لا مناص من تحمل نتائجه الكارثية.
حقيقة حشدت الدولة موارد هامة لاقتناء وسائل للوقاية وتجهيزات للنجاة من مخالب الفيروس المعدي.
لكن في ظل تداعيات الأزمة النفطية وشح المداخيل بالعملة الصعبة، من المفيد العمل على ملف إعادة بناء منظومة صحية متكاملة تدمج القدرات المحلية وتقحم الوسائل الوطنية في معادلة تحقق المطلوب، وهو توفير مستلزمات مواجهة مثل هذا الظرف القاسي على الصحة والمال.
في هذا الإطار، أعلن، مؤخرا، عن تكليف مؤسسات وطنية للشروع في إنتاج المحاليل الكحولية والأقنعة الواقية، وهي إشارة جيدة لا ينبغي أن تتعثر في حالة استتباب الوضع الصحي. وإنما يجب استكمال المشروع إلى النهاية. ولعلّ مجمع «صيدال»، الرائد في تاريخ صناعة الدواء تحت مظلة الجزائر المستقلة، القاطرة الملائمة لإعادة تصويب الاتجاه وفقا لمؤشرات وأهداف دقيقة وذات جدوى، فالأمل معقود على وحداتها وإطاراتها من كفاءات صيدلية ومناجيريالية لرفع التحدي.
خلال منتصف التسعينيات من القون الماضي، بعد أن تم وضع هذه القلعة على طاولة التصفية ضمن برنامج صندوق النقد الدولي وترك السوق تستباح من منافسين يمتهنون الاستيراد، استطاع المجمع بقيادة كفاءة جزائرية، علي عون، تصحيح المعادلة وتفعيل المناعة الوطنية بالرهان على موارد بشرية محلية اقتنعت بإنجاز الوثبة ليستمر نبض فروع المركب التي ينظر إليها اليوم، لتجسد الخطوة الأولى للأمن الدوائي، الذي يقود معركته اليوم امرأة جديرة تتولى إدارة المجمع التاريخي، كونه الرقم الصعب في معادلة سوق الدواء الوطنية.
في هذا الإطار، ولأن ربّ ضارة نافعة، قد تكون الأزمة، بل يجب أن تكون، محطة حقيقة لإقحام الجامعة والمعاهد والبحث العلمي في إعادة بعث فرع الصناعة الدوائية بمعايير الإنتاج الملموس والمواكب للاحتياجات الراهنة والمستقبلية، ضمن إطار شامل لإصلاح المنظومة الصحية بهياكلها وتنظيماتها ومهنها، لتستعيد معاييرها الإنسانية وحمايتها من «بارونات» السوق وتجار الأزمات، الذين يتم تعقبهم في كل القطاعات لإبعادهم من المشهد، كونهم لا يقلون خطورة على الأمن المالي والاقتصادي عن «فيروس كورنا» نفسه على الإنسان.