أن يختلف القوم مع بعضهم بعضا أمر طبيعي، وحتى أن نشتم ونشكك في بعضنا بعضا أمر عادي لأنها حالة جزائرية خاصة، لكن أن يصل الأمر بأحدهم إلى درجة توجيه رسالة إلى باراك أوباما، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يحرّضه فيها بخصوص شأن جزائري محض فلعمري هي الخيانة بعينها..
كان الأجدر به، التصرف بأسلوب حضاري ولائق تجاه الشعب الجزائري وقبول قواعد اللعبة كما يتصرف السويسريون حيث يقضي أيامه في بحبوحة من العيش الرغد.. كان عليه تقديم صورة تؤسس لثقافة الحوار والارتقاء بالنقاش في ظل احترام إرادة المواطنين كافة، بعيدا عن محاولة سرقة الأضواء بإعلان مواقف مخزية يستهجنها حتى من أرسلت إليهم.
ونشرت إحدى اليوميات الصادرة بالفرنسية، أمس، رسالة للمدعو بن نواري علي، وجهها إلى رئيسه زعيم البيت الأبيض الأمريكي، وقبلها إلى البرلمان الأوروبي والأمم المتحدة، يطرح فيها ‘’قلقه وانشغاله’’ بخصوص انتخابات 17 أفريل ويعرض، بخساسة ومهانة، جملة إجراءات يدعوه لاتخاذها في حق أبناء جلدته. ويسعى من ورائها، بشكل مفضوح، لمحاولة إخراج النقاش الجزائري المحض من بيئته الطبيعية إلى دوائر خارجية، وبلا حياء يصنّف بلد المليون ونصف مليون شهيد خطرا إقليميا بما يخدم مصالح استراتيجية لأطراف تتربص ببلادنا، والأبشع والمر أنه يحاول، يائسا، الترويج لممارسة الوصاية على شعب لقن العالم أروع المواقف في العزة والأنفة والتمسك بالحرية.
إن رسالة كهذه كان يمكن تناولها بهدوء لو وجهها إلى الشعب الجزائري صاحب الكلمة ومصدر السلطات، غير أنه وقد فضل مخاطبة رئيس دولة أجنبية، فإن الأمر يستدعي من كافة الوطنيين المخلصين، بكل ما هم عليه من اختلاف وخلاف، دق ناقوس الخطر، كون المبادرة الغادرة تتجاوز بكثير مسألة انتخابات وتحمل تهديدات للمجموعة الوطنية برمّتها ولا تخص مسائل بالمعني، الذي يبدو أنه نزع قناع الخروف الوديع الذي تسلل به إلى المجتمع ليكشف عن حقيقته، ضاربا عرض الحائط بكافة القيم والخصال التي يتشبع بها الجزائريون المخلصون والأوفياء، بمن فيهم أبناء الجالية المقيمة بالخارج وأغلبهم بسطاء يعيشون تحت سياط الأزمة الاقتصادية وما يلفّها من عنصرية وتهميش لم يذق عذاباتها إطلاقا.
هذا الشخص، مزدوج الجنسية، دخل سباق الترشح للرئاسيات، لكنه لم يوفّق في تلبية الشروط الدستورية، وبعد أن حاول تسويق صورة فيها براءة مغشوشة، سرعان ما انفضحت مع مرور الزمن، مثلما أكدته رسالته البئيسة والمدانة بأقوى العبارات، كونه تجاوز الخطوط الحمراء بشكل فيه لؤم وجبن، لينقلب على عقبيه وكأن مسه جنّ بعد أن تجرد من تلك القيم التي يتحصّن بها الشعب الجزائري وبها يعرف كيف يعالج أموره ويتجاوز المشاكل التي تعترضه بعيدا عن أي تدخل أجنبي مهما كان شكله. ويعرف صاحبنا أن الذاكرة الوطنية على امتداد التاريخ، تزخر بالمواقف والبطولات، التي رافقتها مشاهد لا تمحى من التضحيات والصبر على غرار ما قدمه سكان سطيف وقالمة وخراطة الأشاوس، لما نهضوا عن بكرة أبيهم غداة توقف الحرب العالمية الثانية بانهزام النازية وانتصار الحلفاء، للمطالبة بالاستقلال عن فرنسا الاستعمارية، قبل أن تمارس في حقهم أبشع أنواع التقتيل الجماعي والتعذيب والتهجير. ولعله يحتاج لمراجعة صفحات التاريخ ويعيد قراءتها بلا نظارات، ليتعلم كيف أن شعبه، أباً عن جدّ، لم ولن يخضع لغير إرادته السيدة ولا يمكن أن يُساق كالإبل كما يتوهم أمثال بن نواري، ومن ثمة لا يمكن التغرير به أو الضحك على ذقنه، فللكعبة ربّ يحميها وللخيمة رجال يذودون عن حياضها.
رسالـة العـار
سعيد بن عياد
31
مارس
2014
شوهد:667 مرة