يكتسي قطاع الموارد المائية طابعا استراتيجيا يضعه في صدارة المشهد الاقتصادي في المديين المتوسط والبعيد من خلال منظومة المنشآت الكبرى المتكاملة من سدود ومحطات تحلية مياه البحر وتجنيد للآبار، ولكن وهو أكثر أهمية، جملة محطات تطهير واسترجاع المياه المستعملة والملوثة التي توجه للفلاحة والصناعة والسياحة بما يحمي موارد مياه الشرب التي أزالت ظاهرة العطش وجفاف الحنفيات على امتداد الوطن.
تقع بلادنا في منطقة تعرف بندرة المياه ويتوقع الخبراء بشأنها أن تدخل في المستقبل مرحلة صراعات إقليمية وتنافس دولي على مصادر ومنابع هذه الثروة التي تضاهي باقي الثروات الطبيعية الأخرى كالمحروقات، بل إن هذه الأخيرة ترتبط في جانب كبير من استكشافها واستغلالها وتحويلها بالأولى، ما يجعل معادلة الماء والطاقة قائمة بلا منازع تستدعي انخراط كافة الأطراف في تصحيحها باستمرار حفاظا على ناتج الوفرة أمام هاجس الندرة التي أصبحت في حكم الماضي.
لقد أدركت الدولة هذا التحدي منذ البداية، فألقت باستثمارات ضخمة للنهوض بقطاع يتوقف عليه مدى حركية عجلة التنمية، مدرجة مسألة الأمن المائي كإحدى ضمانات الأمن الغذائي بل يرتبط مباشرة بمفهوم الأمن الوطني الاستراتيجي، في ظل عالم انتقل من صراعات تقليدية على مناطق النفوذ السياسي إلى سباق محموم على مناطق تتوفر على مصادر الطاقة غير التقليدية ومنها المياه. وبالفعل تحقّقت للمجموعة الوطنية من المواطن في بيته إلى المؤسسة الاقتصادية في ورشاتها وفي شتى القطاعات مكاسب لا تزال تتعزّز باستمرار بفضل مشاريع قاعدية مهيكلة تحقق بعضها ويجري انجاز البقية مع ضمان وفرة بأسعار في المتناول.
وبالمقابل، يرتقب أن يكون موعد اليوم العالمي للمياه الذي تم إحياؤه أمس انطلاقة أخرى تستهدف الوصول إلى إعادة صياغة مفهوم جديد لنمط الاستهلاك حسب كل شريحة، وذلك باعتماد منهج ترسيخ ثقافة اقتصاد الماء بدءا من المواطن بالبيت إلى المسير بالورشات والمصانع والفلاح بالمزارع، حيث تستنزف كميات يوميا يصعب استرجاعها أو يكون ذلك بكلفة باهظة تضاعف من الفاتورة المالية التي تدفعها الخزينة العمومية ويمكن توجيهها لقطاعات أخرى ذات أولوية.
وحقيقة يمكن لبعث ثقافة اقتصاد استعمال واستهلاك المياه على مستوى كبار الزبائن والمستهلكين أن يساهم في الحفاظ على هذه الثروة وحسن تدبير استغلالها بنظرة بعيدة المدى تماما كما هو الأمر لموارد ثمينة يرتبط بها الاقتصاد الوطني الذي يقف على عتبة تحديات إقليمية وعالمية ترتكز على جملة من الشروط، منها وفرة الماء ليضخ الحياة في دواليبها بنفس قوة المال والتكنولوجيا وكفاءة الموارد البشرية.
الماء مثل المال، رئة التنمية
سعيد بن عياد
21
مارس
2014
شوهد:506 مرة