إعادة ترميم البنايات القديمة في العديد من المدن الكبرى، قطعت شوطا ملموسا، نظرا للحالة المتقدّمة التي توجد عليها بفعل عوامل طبيعية، وانعدام حد أدنى من ثقافة المحافظة عليها، خاصة مع قرار التنازل عن الأملاك في الثمانينات الذي أدى إلى التخلي عن حرّاس العمارات “كونسيارج”، ممّا فسح المجال واسعا أمام تدهور العمارات رويدا رويدا بسبب عدم وجود من يقف عليها ويراقب أحوالها ليكون الوسيط مع السّلطات المحلية والادارية.
وحال هذه العمارات وصل إلى حد لا يطاق من الاهمال، سقوط أجزاء من الشرفات على المارة، الأبواب محطمة، السّلالم مكسّرة، الواجهات معرّضة لكل أشكال التلف، الأسطح مهجورة تحوّلت عند البعض إلى بيوت.
كل هذا التشخيص يمسح على باقي الأماكن التي تتواجد بها مثل هذه البنايات التي تعود إلى فترات بعيدة جدّا، لكنّها لم تكن كذلك في السبعينات والثمانينات قبيل تركها لقاطنيها الذين لم يحافظوا عليها، بل أدخلوا العديد من الأشغال الخطيرة، كإضافة كميات هائلة من الاسمنت المسلّح، وكذلك البناءات الجاهزة التي وضعت في الأسطح التابعة لبعض السكان، زادت من ثقل تحمّل الأسقف قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، لا قدّر الله.
هذا الفراغ المسجّل في التراث العمراني القديم عندنا لم نضع له الاطار اللاّزم لمتابعته في الميدان، ولا يكون التدخل إلاّ في ربع الساعة الأخيرة لإنقاذ موقف معيّن ناجم عن حوادث أو شيء من هذا القبيل. ومثل هذه الذّهنية لا تؤدّي بنا إلى التحلي بتلك النظرة البعيدة المدى في التكفّل بمثل هذه الانشغالات.
والترميم ليس عملا ترقيعيا، يؤديه كل من هبّ ودبّ، وإنما هو نشاط احترافي لمقاولين قادرين على القيام به وفق الشروط المعمول بها، تخضع لمقاييس صارمة جدا، يحاسب عليها كل من يخوّل له مثل هذه المهمة الصعبة والشّاقة في آن واحد.
وفي هذا السياق، نتذكّر جيدّا العمليات السّابقة التي شاركت فيهاا مقاولات لم تكن مصنّفة في البطاقية المهنية، حيث وقفنا آنذاك على توظيف شباب الأحياء ليست لهم علاقة بالترميم، غير مصرح بهم للضمان الإجتماعي أثناء تأدية نشاطهم ممّا تسبّبوا في حوادث خطيرة جدّا، كونهم خاطروا بأنفسهم وهم فوق الشّرفات والأسطح، دون مراعاة الظروف التي يعملون فيها.
وفي هذا الصدد، تفطّنت ولاية الجزائر على سبيل المثال لإنشاء مديرية التهيئة وإعادة هيكلة الأحياء ترافقها في ذلك البلديات لمتابعة وضعية العمارات القديمة المقدّرة بـ ٥٦٥ بناية تحتاج إلى إصلاح، أي 049 .11 سكنا مقسما إلى ٣٨ موقعا على مستوى ٢١ بلدية. وحسب برنامج التجديد، فإن هناك ٣٠٢ . ٥٥ سكنا تمّ تشخيص حالته من خلال دراسة تقنية في ٢٠٠٦ تعني ٦٩٠ . ١٣ عمارة أي ٤٤٥ . ٧٨ سكنا على مستوى ١٤ بلدية بوسط مدينة الجزائر.
ولأول وهلة تظهر هذه العيّنة مدى ضخامة المهمّة الملقاة على عاتق الجهات المسؤولة قصد إعادة هذه البنايات إلى حالتها الأولى، والأرقام وحدها تشهد على أن هناك توجّها جديدا في ترميم هذا الكم الهائل من البنايات يعتمد على الاحترافية وليس الترقيع، وكذلك ربح الوقت والتكلفة.
كل هذه المقاييس تساهم مساهمة قوية في إنجاج هذه العملية.