يمضي ربع قرن على تأسيس اتحاد المغرب العربي، الذي لا يزال يتطلّع لأداء أكثر فاعلية ونجاعة، خاصة على صعيد التعاون والتبادل الاقتصادي والتجاري وفقا لقاعدة تقاسم الأعباء والمنافع. وإذا كانت الحصيلة المتعلقة بالهياكل واللجان والأدوات التنظيمية متقدمة، إلاّ أن ما يقابلها بشأن المشاريع والبرامج والاستثمارات لا يزال دون الأهداف المسطّرة والطموحات المعلنة، التي تعلّق عليها الشعوب تطلعاتها المشروعة في بناء السوق المغاربية المشتركة بالمفهوم الاقتصادي الواسع الذي يتجاوز إطار التجارة. وليس غريبا أن يتكرّس وضع أشبه بالجمود لاتحاد يستمد مشروعيته من التاريخ المشترك الذي أرسته الأجيال الأولى تحت ظل الاحتلال الأجنبي، طالما أنّ هيئة الرئاسة لم تنعقد منذ عشرية تقريبا، وتكاد مجمل القرارات والاتفاقيات المتوصل إليها بشق الأنفس مجرد حبر على ورق، بل المؤشر الذي يدق ناقوس الخطر يكمن في مسألة تسديد الأعضاء للمساهمات المالية لصالح الأجهزة والمؤسسات الاتحادية، التي يوجد عدد منها على حافة إفلاس غير معلن ويتعرض مستخدموها لخطر التسريح الاضطراري.
بلا شك أنّه لا يمكن بناء اتحاد بحجم المغرب العربي بدون رصد الكلفة المالية بالمعايير الموضوعية والتزام الأعضاء بتسديد المستحقات في الآجال، يكون هذا طبعا إذا توفّرت القناعة والإيمان بحتمية وجدوى هذا التكتل الإقليمي الذي تتوفر فيه كافة عناصر التكامل والتعاون الاقتصادي التي تتطلّبها سوق مشتركة، من حيث القدرات الاستثمارية في ميادين الفلاحة والصناعة والسياحة والخدمات.
ولعل أحسن بداية لإعادة بعث الصرح المغاربي بالوجه الاقتصادي الشامل، أن يتم إدراج مراجعة للنصوص التأسيسية، بشكل يسمح بنقل بعض الصلاحيات المخولة لهيئة رئاسة الاتحاد إلى الأجهزة المتخصصة، بما يحرّرها من قيود تفرضها توجهات البعض السياسية، فتنطلق في تجسيد مضامين اتفاقيات تؤسس لشراكة مغاربية سليمة وجدية. وفي هذا الإطار ساهمت الجزائر بشكل ملموس في تهيئة الأرضية القاعدية التي يرتكز عليها مثل هذا المسار الاستراتيجي. ومن أبرز تلك المكاسب الوطنية ذات الأبعاد المغاربية الطريق السيار شرق ــ غرب وتطوير شبكة السكة الحديدية وتوفير الطاقة التنافسية، إلى جانب المجال الأرحب للاستثمار وتفعيل مبدأ الشراكة التفاضلية. لكن مثل هذا الاستعداد الايجابي يتطلّب وبموضوعية التزام الشركاء بقواعد الشفافية، خاصة على صعيد مكافحة التهريب والغش في المنتجات المحلية، والتصدي للظواهر السلبية التي تشكّل عائقا للمسار مثل خطر الإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات. ويمثل التصدي المشترك لهذا الخطر تحديا لا يقل أهمية عن تحديات التنمية بل هو ضمانة لتحريك عجلة الاتحاد وسط عالم يتعرض لسباق محموم على الأسواق، ومنها المنطقة المغاربية ومصادر الطاقة واليد العاملة المؤهّلة.
حصيلة وطموحات
سعيد بن عياد
14
فيفري
2014
شوهد:507 مرة