هما ثنائي «الجزيرة»، بعد أن تخلى النائب الفلسطيني السابق، عزمي بشارة، عن الظهور في شاشتها والاكتفاء بإشرافه على مركزها للدراسات.
أعني هنا الشيخ القرضاوي ورفيقه المصري أيضا العميد صفوت الزيات...
قد يكون القرضاوي راسبوتين الدوحة، كما يشبه صفوت الزيات دون كيشوت مع طواحين الهواء… وإذا كانت «فتاوى الفتنة» التي يطلقها القرضاوي تصبّ كلها في الشارع العريض وعامة الناس، فإن التحاليل العسكرية وشرح الخطط الحربية، إما لقوات الناتو وهي تدمر ليبيا، أو لمجموعات إرهابية من ٨٣ دولة وهي تدمّر سوريا، تستهدف مخاطبة مستويات أخرى قد تكون النخب وقد تكون مسيرين وقد تكون مسؤولين وفي كل الأحوال من يمتلكون سلطة القرار أو جزء منه أو بعضه، أن لا فائدة من المقاومة أو المواجهة أو الاعتراض.
الشيخ القرضاوي، الذي تنطبق عليه الآية الكريمة: «ومنكم من يَرَدُّ إلى أرذل العمر لكي لا يعلمَ بعد علمٍ شيئاً»، تسبّب ولايزال في الكثير من الفتن المدمرة التي أصابت بلدانا عربية في الصميم، وأحدثت شرخا واسعا في التسامح المذهبي والتعايش والانسجام وتسبب في كثير من الخصومات بين دول عربية وإسلامية وإمارة قطر، التي قالت، بعد الأزمة الأخيرة بينها وبين الإمارات، إن الرجل ليس ناطقا رسميا يعبّر عن مواقفها!!
أتذكر أن الرجل الذي احتضنته الجزائر منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وبوّأته أعلى مكانة علمية في جامعة قسنطينة للعلوم الإسلامية، تنكّر لكل ذلك وتحول إلى جزء من الآلة الدعائية للإرهابيين في تسعينيات القرن الماضي، وكان يطلّ على شاشات قنوات عربية من لندن ليشيد بمجازرهم وأعمالهم الوحشية وقتلهم «لعسكر الطغمة». وتشاء الظروف أن يزور الجزائر بعد ١٩٩٩ إثر إقرار المصالحة الوطنية ويُصاب بوعكة صحية ويُنقل إلى المستشفى العسكري للعلاج فيه على يد أطباء عسكريين هم جزء من سلك أولئك الذين كان يصفهم «الطغمة» العسكرية.
هما ثنائي يكمّل أحدهما الآخر وهما متوازيان، ولكن من غريب الصدف أن توازيهما يخالف ويناقض القاعدة الرياضية التي تقول إنهما لا يلتقيان أبداً مهما امتدّا.
لأنهما يلتقيان في نقاط عديدة، مكانا وهدفا وغاية، في كل الأحوال فإن نشر فكر الفتن وتحليل دماء الآخرين مثله مثل نشر فكر العجز واستحالة مقاومة العدوان، لأننا لا نملك القدرة على المواجهة بحسب تحليلات العميد الخبير الذي تعتمده «الجزيرة».
نحن اليوم في عالمنا العربي نعيش نفس مرحلة القرون الوسطى في أوروبا، حين اشتعل الصراع الكاثوليكي ـ البروتستانتي وما نتج عنه من فظائع ومجازر باسم الدين بين الكنيستين. وإذا كانت تلك الحرب لم تنته إلا بعد حوالي أربعة قرون، فهل ينتظر العالم العربي الإسلامي نفس الفترة الزمنية لينتهي الصراع السني - الشيعي الذي يعد القرضاوي أحد رموزه، وهو بذلك يسير على نفس خطة بول بريمر التي وضعها للعراق بعد احتلاله؟
تذكّرنا كتب التاريخ، أن أغلب، بل تقريباً، كل الفقهاء والمجتهدين الإسلاميين، بدءاً من الأئمة الأربعة، كانوا يتحرّجون كثيرا في إصدار الفتاوى إلا للضرورة القصوى وكانوا يقولون إن الاختلاف بينهم رحمة، بل أكثر من ذلك كانوا يعتبرون عرض قضايا معقدة على العامة بلبلة وفتنة.
وتذكرنا كتب التاريخ أن مساجد بغداد، مثلا، كانت تتسع لحلقات التدريس للمعتزلة وللأشاعرة مثلا، كلٌّ في حلقته ومع طلابه، وكانت مفتوحة لتدريس المذهب المالكي كالمذهب الحنبلي السائد، والمذهب الشافعي، كالمذهب الحنبلي والفقه الجعفري وكلهم تحت سقف واحد ولم يكفّر أحدهم الآخر...
هل نسي ناشرو الفتن هذا التراث الغني بقيم التسامح والتعايش؟
إن الذين يوقظون هذا الوحش؛ وحش الفتن والتكفير هم أولئك الذين يغذون الغلو والتطرف والاختلاف في الجزئيات رغم وحدة الكليات، وهم يعمدون إلى تفتيت الأمة وبث الفرقة والتناحر حتى التقاتل بين أبنائها.
نظرة وجيزة على ما يحدث في كل ساحتنا، تدفع إلى القول تساؤلا، ألم يفت الوقت لوقف هذا التدمير الذاتي؟ وإلى أين المآل؟
أوراق مبعثرة
التـدمير الـذاتي!
بقلم: عيسى عجينة
11
فيفري
2014
شوهد:675 مرة