فُجعت الجزائر شعبا ودولة بفقدان ٧٧ ضحية من أبنائها الأشاوس إثر سقوط طائرة هرقل سي 130 العسكرية، التي كانت تقل رجالا عاهدوا الله على ما صدقوا عليه بأن يبقوا أوفياء للجزائر كما سطره شهداء الثورة التحريرية البررة، يتحملون الواجب الوطني متحدين الصعاب والأرق والبعد عن أحبتهم من الأهل والأبناء. كانت الرحلة الأخيرة لأولئك الرجال وبرفقتهم عائلات عسكريين ممن شاء القضاء والقدر أن يتغمدهم الله برحمته الواسعة في ظروف قاسية، اهتزت لها النفوس والضمائر. ولم يكن غريبا عن الشعب الجزائري أن يقف في وقفة حداد مشهود لها تعبيرا عن الشعور بالألم وتعبيرا عن حزن جماعي بما يليق والمكانة المتميزة التي يحظى بها الجيش الوطني الشعبي منذ أن أرسى سلفه جيش التحرير الوطني الأسس العميقة للدرع الواقي للبلاد وسندها المتين .
ولا غرابة أن يوجه كل جزائري شريف تحية تقدير مليئة بالاحترام والعرفان للضحايا ومن خلالهم لأبناء القوات المسلحة الذين يواصلون حمل الرسالة الوطنية، كل في موقعه لا تهتز أجسادهم ولا ترتجف أيديهم، هامتهم عالية شموخ جبال هذه الأرض الطيبة، وسط ظروف محلية وإقليمية صعبة، يرابطون في مواقعهم على امتداد الحدود متحدين قساوة الجغرافيا والمناخ وبعد المسافات، وعيونهم لا تغفل ولا تنشغل بغير الواجب المقدس. وإضافة إلى الدور التقليدي الذي يقوم به أفراد الجيش الوطني الشعبي، لا يترددون لحظة في تلبية نداء الواجب الوطني من مواجهة الكوارث الطبيعية إلى إسعاف المنكوبين مهما كانت الصعوبات والمشاركة العملية في البرامج الوطنية ذات الصلة بمستقبل الحياة مثل وقف التصحر والتشجير ومرافقة سكان الصحراء والبوادي في الاستفادة من برامج التعليم والصحة.
وتحتفظ الذاكرة الجماعية بانجازات خارقة ونادرة في بلدان أخرى لجيشنا جيلا بعد جيل من معارك البناء والتشييد يتقدمها الطريق العابر للصحراء والسد الأخضر والقرى الفلاحية، وإزالة آثار عدة زلازل وفيضانات أدمت الجزائريين، إلى صون الحدود وفي أحلك الأوضاع الإقليمية، مرورا بالتصدي للهجمة الإرهابية التي استهدفت البلاد حينما استغلت العصابات الدموية فتيل الفتنة مطلع التسعينات لتحاول السيطرة على الإرادة والنفوس، لولا أن وقف الأحرار في خندق مع القوات المسلحة لدرء الخطر وإنقاذ الجزائر من تلك الهجمة التي غذتها دوائر أجنبية حاولت اللعب على المفاهيم وخلط المواقف قبل أن يمتد نار الإرهاب الدولي إلى بيوتها.
إن مؤسسة دستورية بكل ذلك التاريخ الحافل بالبطولات، تستمد قوتها وروحها من عقيدة جيش التحرير الوطني، لا يمكن إلا أن ينال أبناؤها من عاملين وأفراد الخدمة الوطنية وسام الإخلاص للجزائر، فلا تتزعزع روحهم المعنوية قيد أنملة. وهي تعرف كيف تلملم جراحها بعد هذا الحادث الأليم، مدركة قيمة المكانة التي تحتلها في نفوس الجزائريين بغض النظر كمؤسسة تعد بمثابة العمود الفقري للمجموعة الوطنية كالنخلة الحرة جذرها ضاربة في الأرض ورأسها شاهقا في السماء، تحلق فيها قواتنا الجوية المفخرة التي يشهد لها التاريخ أيضا بانجاز ثاني أضخم جسر جوي في العالم بنقل أنصار الفريق الوطني إلى أم درمان لانتزاع النصر بإمكانيات وطنية وإرادة جزائرية خالصة لا تلين. وإذ لا راد لقضاء الله ولا مفر منه أمام هذا الظرف الصعب، ليس إلا أن نعرب عن اصدق التعازي لأسر الضحايا.
رجال أدوا الـواجـب إلى النهـاية
سعيد بن عياد
11
فيفري
2014
شوهد:713 مرة