بـين العنـف والجـوع

بين جور الطبيعة وظلم الإنسان، يعاني الملايين في منطقة الساحل الإفريقي من سوء التغذية حتى لا نقول المجاعة، الأمر الذي حرّك منظمة الأمم المتحدة لتدق ناقوس الخطر وتدعو لجمع ٢ مليار دولار من أجل ٢٠ مليون شخص أصبحوا مهددين بالموت جوعا.
مثل الوباء القاتل تنتشر أزمة الغذاء وتخترق الحدود ممتدة من موريتانيا إلى غامبيا ومالي والنيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو والسينغال والكاميرون، ومع انتشارها باتت شعوب كثيرة لا تعرف من أين تأتيها الوجبة الغذائية التالية، ولا تجد أمامها غير انتظار الفرج من المانحين الذين في الغالب يَعِدُون ولا يوفّون وحتى إن صدقت نوايا كرمهم، فحتما الاحتياجات الإنسانية كثيرة وكلفتها كبيرة، ويكفي الإشارة إلى أن سوريا فقط بحاجة إلى إعانات بقيمة ٦٫٥ مليار دولار، وهو كما نرى رقم رهيب تضيع بين أصفاره حصة جياع الساحل الإفريقي وفي مقدمتهم ٥ ملايين طفل دون الخامسة بحاجة إلى إغاثة عاجلة وإلا أصبحوا بعد أشهر أو أقل في عداد الأموات.
الطبيعة جارت على الساحل الإفريقي، فأرضه صحراء قاحلة وأمطاره ومياهه شحيحة وبعض دوله لا تتوفر على أي ثروات تغنيها عن التسول ومد اليد لإطعام شعوبها.
ومثل الطبيعة يعاني الساحل من ظلم الإنسان، سواء تعلق الأمر بالمستعمِر القديم الذي ظل ولا يزال ينهب ما يكتنزه باطنه وسطحه من ثروات، أو الأنظمة التي تحكم دوله، وهي في الغالب فاشلة أو فاسدة أو فقط ضعيفة لا حول ولا قوة لها.
إن الالتفات إلى قضية الجوع في منطقة الساحل الإفريقي وضرورة حلها، لا يعتبر حاجة إنسانية فقط، بل وأمنية أيضا، لأن من أسباب التوتر والصراعات في هذه المنطقة الساخنة هو البحث عن الغذاء والقتال من أجل الوصول إليه والاستحواذ على مصدره.
كما أن الكثير من الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة والمهرّبين يستغلون الوضع الإنساني المزري لشعوب هذه المنطقة لاستمالتهم وضمّهم إلى صفوفهم مقابل لقمة العيش.
بين الجوع واللاّأمن علاقة متلازمة ومترابطة، لهذا لا يمكن إقرار الاستقرار بالساحل ما لم يتم محاربة الجوع، بل وما لم يتم إيجاد حلول جذرية وإطلاق برامج تنموية تغني جياع هذه المنطقة عن التسول أو الانخراط في جماعات الإرهاب والجريمة.