«موسم الهجرة إلى الشمال»، لصاحبها الكاتب السوداني الكبير الطيب صالح، من أفضل الروايات العربية على مر التاريخ، ترسم وبدقة واقع الإنسان العربي والإفريقي، وتنقل أماله وتقاليده وطموحاته، وتصوره كفرد نابغ في العلم والمعرفة حتى وهو ينحدر من بيئة ريفية بدائية.
مما يستوقف قارئها، هو ما قاله أحد الأساتذة الانجليز لبطل الرواية مصطفى سعيد الأكاديمي وهو يواصل دراسته في جامعة لندن، مخاطبا «عندما أسمعك أيها الإفريقي تتكلم، أتأكد من أن مهمتنا الحضارية في إفريقيا باءت بالفشل فكأنك تخرج لتوِّك من الغابة»، كان يقصد هذا الأستاذ بالمهمة الحضارية، ما نسميه نحن استعمارا متوحشا، جثم على ظهر الشعب وأذاقه الويلات، وبعيدا عن الرواية وشخصياتها، هناك من قامات العلم في الغرب من يرى من الإفريقي إنسان ما قبل التاريخ حتى اوجد دواءا لمرض استعصى علاجه لعقود من الزمن.
صحيح أنه لا يجب تعليق كل شيء على شماعة الاستعمار، لكنه دمر حضارة بلدان، وأوقف تقدم شعب بتقاليده وعقيدته وثقافته الأصلية المتأصلة فيه، فقد حاول قدر المستطاع أن يغرس تلك النظرة الدونية لدى الأفارقة والعرب المستعمرين (بفتح الميم)، وأن يجعل منهم أصحاب عقدة وتوابع منقادين، ونجح في ذلك إلى حد بعيد.
لكن اليوم أوروبا تعاني من الشيخوخة وإفريقيا تملك ذخيرة ثمينة من الشباب، الذي يعول عليه في أن يبلغ مراتب علمية رفيعة ويصبح صاحب مشاريع طموحة ومؤسسات، يحتاج فقط التعليم والعناية، يحتاج إلى تغيير الذهنية والخروج من ظلمات السلبية إلى الايجابية والتفاؤل، وحينها يمكن أن نرى مواسم هجرة نحو الجنوب ليس للاستعمال ولكن للتعلم ...
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.