العلاقات الجزائرية ـ المصرية

مرجعية بنّاءة لمسار متميّز

أ ـ د ـ إسماعيل دبش أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية جامعة الجزائر 3
09 فيفري 2014

تأييد مصر للقضية الجزائرية ولكل مطالب جبهة التحرير الوطني كان مطلقا ومتشدّدا وبدون تحفّظ، حتى ولو تعلق الأمر بعلاقة مع دولة كبرى لها مصالح حيوية واستراتيجية معها مثل الاتحاد السوفياتي، ذلك ما عبّر عنه الرئيس عبد الناصر في تحذيره إلى خروتشوف الرئيس السوفياتي من الانسياق وراء محاولات ديغول لإقناعه بزيارة حاسي مسعود (منطقة آبار بترولية جزائرية كبرى بالصحراء) ولأنّ ذلك «سوف يتسبّب في هوّة فاصلة بين الشعب السوفياتي والشعوب العربية.

تأييد مصر للقضية الجزائرية ولكل مطالب جبهة التحرير الوطني كان مطلقا ومتشدّدا وبدون تحفّظ، حتى ولو تعلق الأمر بعلاقة مع دولة كبرى لها مصالح حيوية واستراتيجية معها مثل الاتحاد السوفياتي، ذلك ما عبّر عنه الرئيس عبد الناصر في تحذيره إلى خروتشوف الرئيس السوفياتي من الانسياق وراء محاولات ديغول لإقناعه بزيارة حاسي مسعود (منطقة آبار بترولية جزائرية كبرى بالصحراء) ولأنّ ذلك «سوف يتسبّب في هوّة فاصلة بين الشعب السوفياتي والشعوب العربية.
مع بداية مفاوضات إيفيان أصدرت حكومة الجمهورية العربية الممتدة (20 ماي 1961) بيانا أكّدت فيه مساندتها للحكومة الجزائرية المؤقتة في المفاوضات التي ستجريها مع الحكومة الفرنسية، والتي ترمي إلى الاعتراف للشعب الجزائري بحق تقرير المصير حتى يتحصّل على استقلاله وسيادته التامة ووحدة ترابه، وتؤكّد الجمهورية العربية المتحدة أنّها تعتبر الصحراء الجزائرية كجزء لا يتجزّء من الوطن الجزائري يخضع إلى سيادة الشعب الجزائري كبقية تراب الوطن، كما أنّها تساند المساندة التامة بمواصلة الكفاح الوطني بجميع الطرق الناجمة حتى يتحصل الشعب الجزائري على حريته واستقلاله ووحدته بدون قيد أو شرط.
وفي نفس المناسبة وبنفس اللهجة أكّد الرئيس عبد الناصر:
«إنّنا نتّجه بكل تأييدنا المادي والمعنوي بدون حدود وبدون تحفظات لنضعها في نصرة الجزائر في هذه المفاوضات، واثقين أنّ نتيجتها لابد أن تكون على مستوى التضحيات والأعمال البطولية للشعب الجزائري، الذي خاض المعركة لا ضد فرنسا وحدها بل ضد الحلف الأطلسي كله».
جزء كبير من وسائل الإعلام المصرية كان مخصّصا للثورة الجزائرية يوميا كمكان للوحدة المصرية السورية (الجمهورية العربية المتحدة)، تأثير إيجابي على مسار الثورة الجزائرية خاصة وأنّها تزامنت (1958 - 1961) مع أهم فترة حاسمة لحرب التحرير الجزائرية، ورغم فشل الوحدة في النهاية (1961) فإنّها على الأقل ساهمت بالنسبة للثورة الجزائرية في رفع معنويات قادة حرب التحرير، وحتى فشلها أتى سنة قبل انتصار الثورة الجزائرية بعد التأكد من انتصار هذه الأخيرة وتحقيق استرجاع استقلال الجزائر، كما أضافت الوحدة عاملا جديدا مؤثّرا وفعالا في مضاعفة وتقوية المساندة المصرية ـ السورية للثورة الجزائرية، وذلك عن طريق العمل والنشاط المشترك الموحد داخل وخارج الوطني العربي.
طبعا التأييد والتضامن المصري مع الجزائري كان له تأثيرا متبادلا، ومصالح مشتركة لقطرين عربيين، فمن بين الأهداف المصرية كان:
    ١ ــ الضغط على فرنسا وحلفائها للتراجع عن قمع حركات التحرر في الوطن العربي وعالم الجنوب ككل.
    ٢ ــ الضغط على فرنسا في تعطيل الهجرة اليهودية من المغرب العربي إلى فلسطين، ومن خلالها محاولة التأثير على التحالف الفرنسي الاسرائيلي.
    ٣ ــ كلا المعركتين حرب التحرير الجزائرية والحرب المصرية ضد العدوان الثلاثي شكّلتا كفاحا مشتركا للشعبين الجزائري والمصري ضد فرنسا وحلفائها مثلما عبّر عنه الشهيد العقيد الحواس (قائد الولاية السادسة أثناء حرب التحرير الجزائرية):
لو عندنا طائرات لطرنا
لو عندنا عصافير لطرنا
لو عندنا بواخر لذهبنا
إذا انتصرت مصر انتصرت الثورة الجزائرية وإذا انهزمت مصر انهزمت الثورة الجزائرية.
موقف جبهة التحرير الوطني من العدوان الثلاثي على مصر كان طبعا واضحا:
إنّ الاستعمار العدو الألد للشعوب الطامحة نحو الحرية قد شنّ هجوما شنيعا جديدا ضد الأمة المصرية، محتقرا في ذلك جميع القوانين العالمية: فباسم جبهة التحرير الوطني نعلن لكم عن غضبنا الصارخ ونوقّع احتجاجاتنا مع سائر شعوب العالم هذا العدوان الغادر، ونؤكّد لكم عن تضامننا الايجابي الكامل في هذه المحنة القاسية الرهيبة التي تجتازها مصر ببطولة، ونعرب لكم عن ثقتنا في انتصاركم السريع التام على المعتدين الآثمين.
٤ ــ تجسيد البعد العربي الوحدوي التحرري للثورة المصرية من خلال تدعيم وتأييد الشعب الجزائري في صراعه الوطني القومي والحضاري مع الاستعمار الفرنسي، ذلك ما أكده الرئيس عبد الناصر دوريا في تعبئته لتدويل القضية الجزائرية في خطابه في الدورة 15 للأمم المتحدة ذكر الجميع أنّه:
ليس ما يخالجنا شك في الحرب الدائرة في الجزائر اليوم والتي قدّم لها الشعب الجزائري طواعية أرواح مليون من أبنائه حتى الآن لا يمكن أن تنتهي بغير انتصار الحرية أنّ الأمم المتحدة اليوم ليتعين عليها أن تقوم بواجبها ما أظن أنّنا نغالي إذا ما تقدّمنا بطلب الشعب الجزائري في تقرير مصيره..لا يمكن للحكومة الفرنسية أن تغيّر إرادة الله الذي جعل الجزائر قطعة من القارة الإفريقية، وجعل شعبها جزء من الأمة العربية.
التأييد المصري وأهميته الكبرى وتأثيره الايجابي على مسار الثورة الجزائرية يعترف به كل من ساير وعايش دبلوماسية الجزائر أثناء حرب التحرير، الكل يعترف بأنّ العلاقات الجزائرية المصرية كانت متميزة والاتصال والتنسيق بين الطرفين من أجل تحرير القطر العربي الجزائري وبقية الأقطار العربية الأخرى من الاستعمار كان مكثّفا ويدخل في إطار العمل المشترك لتجسيد الأهداف التحريرية العربية، ومواجهات التحديات الكبرى التي تعيشها الأمة العربية، ذلك ما أكّده وردّده باستمرار قادة الثورة الجزائرية أثناء وبعد حرب التحرير أثناء زيارته (ديسمبر 1961) إلى الجمهورية العربية المتحدة ولقائه بالقيادة هناك وعلى رأسها الرئيس عبد الناصر، عبّر يوسف بن خدة، رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة عن انطباعه الخاص وقناعته الدائمة في مدى قوة التضامن العربي المتميز مع كفاح الجزائر التي توليها الحكومة الجزائرية في التشاور والتنسيق مع المسئولين بالقاهرة حول آخر «تطورات الوضع في الجزائر ووسائل تعزيزها».

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024