أوراق متناثرة

أمـة الفـرص الضائعــة!؟

بقلم: عيسى عجينة
28 جانفي 2014

منذ ثلاث سنوات، أصرّت إيران أن تنعقد إحدى جلسات التفاوض حول ملفها النووي مع أعضاء مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، أو ما يعرف بمجموعة خمسة زائد واحد في بغداد. كان الوضع الأمني في عاصمة العباسيين بغداد مترديا، ليس مثل الآن، إنما كان سيّئا. ورضخ الغرب وانعقد الاجتماع، وأخذ سعيد جليلي، كبير المفاوضين الإيرانيين آنذاك، الكلمة وقال حرفيا مايلي: «منذ ثلاثين سنة كان صدام حسين يجلس في هذه القاعة، ويتلقى أخبار استعادة إيران لمنطقة خورمشاه التي سبق لقواته أن احتلتها، تخيّلوا إن لم تتفاوضوا معنا فكيف يكون الحال بعد ثلاثين سنة، وفي أي مكان يمكن أن تجلسوا معنا!! ساد القاعة صمت رهيب بعد أن أنهى جليلي تدخله هذا، وتبادل أعضاء الوفود النظرات وتهامسوا بينهم، بينما بقي الرجل جامدا وكأنه تمثال من المرمر. تذكرت هذه الواقعة بعد اتفاق جنيف بين طهران ومجموعة أعضاء مجلس الأمن زائد ألمانيا، إضافة إلى الاتحاد الأروبي، وهو الأمر الذي حاز على مباركة كل المجتمع الدولي، باستثناء دولتين في المنطقة وهما إسرائيل والمملكة العربية السعودية؛ بلدان اعتبر أغلب المراقبين أن تغريدتهما خارج السرب، بعد استبعادهما من الصفقة أصلا. الموقف الإسرائيلي من الاتفاق مفهوم، باعتبار أن ما حصل هو انقلاب من النقيض إلى النقيض من قبل واشنطن الحليف الذي كان يهدد بعمل عسكري، فإذا به يقبل باتفاق تحافظ فيه إيران على شرطها الأهم وهو التسليم بحقها في تخصيب اليورانيوم، أما سقف ذلك والنسبة فلا يهم بعد الإقرار بالمبدإ. غير أن الموقف السعودي هو الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام والتساؤل حول خلفياته، ورغم موقعها في مجلس التعاون الخليجي كطرف أساسي في هذا الفضاء، فإن كل أعضائه، وهم شركاؤها، رحبوا بالاتفاق باستثناء مملكة البحرين. ضمن هذا المنظور، فإنه من الصعب تفهم مبررات الرياض، خاصة وأنها في النهاية، سواء كان ذلك عن قصد أو عن غير قصد، تتوازى مع موقف تل أبيب تجاه المسألة وهو ما يثير الاستغراب لدى الرأي العام العربي والإسلامي أساسا. إسرائيل، رغم فشلها في منع الاتفاق، ستظل تحظى بالدعم الأمريكي والأوروبي، باعتبارها امتدادا استراتيجيا لهما في المنطقة، بل سيشكل هذا الاتفاق فرصة لها لاستحلاب الإدارة الأمريكية لدعم سياستها الاستيطانية وأساسا عن طريق الكونغرس بجمهورييه وديموقراطييه. سبق للرئيس السابق أحمدي نجاد، أن أعلن منذ ثلاث سنوات، أن إيران أصبحت دولة نووية، ويأتي اتفاق جنيف الأخير كتحصيل حاصل واعتراف ضمني بهذا الواقع وهذه الحقيقة دون أدنى اعتبار للتهديد الإسرائيلي. كما أن الغضب السعودي التي قال رئيس مجلسها الوطني للأمن، إن منطقة الخليج لن يغمض لها جفن بعد الآن. من الصعب منطقيا فهم هذا التقاطع بين الرياض وتل أبيب، وقد كنت أتمنى أن تعمد السعودية، مثلا، وكل العرب والجامعة العربية، لانتهاز فرصة هذا الاتفاق ومطالبة المجتمع الدولي إلزام إسرائيل فتح مواقعها النووية لمراقبة الوكالة الدولية أسوة بإيران وأيضا إزالة أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها. كما كنت أتمنّى أيضا، أن تستغل هذه الدول مجتمعة، بدءاً من السعودية والجامعة العربية، قبول سورية التخلي عن ترسانتها الكيميائية لزيادة الضغط عربيا ودوليا على إسرائيل ومطالبة مجلس الأمن بموقف واضح في هذا الشأن. ولعل البلد الوحيد الذي طالب إسرائيل بذلك هي روسيا على لسان رئيسها بوتين. تمتلك تل أبيب ترسانة رهيبة من كل أنواع أسلحة الدمار الشامل، السلاح النووي الجاهز للاستخدام منذ حرب أكتوبر ١٩٧٣، ومخزونات من السلاح الكيميائي والبيولوجي، وتمتلك أيضا سلاح النيترون أو القنبلة النظيفة، كما يسمونها، والتي تقتل البشر ولا تدمر المباني والمنشآت. معارضة تل أبيب للاتفاق إذاً، هو مبرر سياسيا وأمنيا واستراتيجيا، باعتبار أنها تعتقد أنه رغم الاعتراض الأمريكي والغربي على مساءلتها عن ذلك، فإنه سيأتي اليوم الذي ستطالب الكثير من الدول اعتماد نفس المقاربة مع ملفها النووي أسوة بما حدث مع إيران. وأعتقد أن الرفض العنيف الإسرائيلي فيما يخص اتفاق جنيف مع إيران، كانت دواعيه في البدء هي التخوف من انتشار «العدوى» إليها، لأن العرب - وهذا هو الأمر الطبيعي - سيطالبون العالم بالمعاملة بالمثل تجاهها. فرصة ضائعة من الفرص الكثيرة التي ضيّعها العرب. بل أبعد من ذلك، فإن تل أبيب تتبجح اليوم بأن الكثير من الدول العربية تتبنّى نفس سياستها فيما يتعلق بملف إيران النووي، وقد يكون ذلك صحيحا، ولكن المؤكد أن السلبية العربية في استغلال ذلك هي التي جعلت إسرائيل تبتهج وتصعّد من تهديداتها وتزايد حتى على واشنطن. في كل الأحوال إيران أصبحت لاعبا إقليميا، وهي تدرك بذكاء خارق وديبلوماسية مرنة، أنه سيكون لها دور في عالم متعدد الأقطاب الذي بدأ يتشكل. ماهو دور العرب، بمشرقه وخليجه ومغربه، في هذه التغيرات الكبرى التي تحدث داخل حيّزهم الجغرافي وفي محيطهم الجيوسياسي؟. خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، استغلت باكستان، البلد الإسلامي الفقير من حيث الموارد، الكثيف من حيث السكان، فرصة صراع القطبين آنذاك، الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة حول أفغانستان، ليبني صناعة نووية ويكتسب سلاح الردع في غفلة من القوى الكبرى، وقد حقق بذلك التوازن في الرعب مع جارته الهند. وخلال أربعة وثلاثين سنة من الحصار الاقتصادي والعسكري والتجاري، استطاعت إيران، ليس فقط مواجهة سياسة التطويق الشامل هذه، إنما بناء صناعات متكاملة، من بينها النووية والتسليحية والفضائية وأوجدت قاعدة تكنولوجية بفضل نخبة من العلماء والباحثين والخبراء. ماذا يمتلك العرب مقابل هذين البلدين، أحدهما فقير والآخر محاصر لعقود؟ هل نحن أمة الفرص الضائعة؟

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024