يقف المتتبّعون للشّأن الفلاحي في الجزائر على نمو غير مسبوق للقطاع، وقد لا يشعر بذلك بعض الحاملين للخطاب السوداوي الذين يريدون العودة بالبلد إلى ما كان أخياره يعملون على محو آثار أي تبعية إلى الخارج، والسّقوط في فخ الاستيراد الفوضوي الذي أخلّ وأضرّ بخزينة الدولة.
هذا التّوجّه الصّارم والقناعة العميقة في الارتقاء بهذا الخيار الاستراتيجي، والتّفكير في جعله البديل للبترول يسير في الاتجاه الصّحيح حاليا، والأرقام شاهدة على ذلك كونه حاليا يضمن ٧٠ ٪ من الطّلب الداخلي، إذ بلغ الانتاج الوطني ٣٠٠٠ مليار دينار (٣٠ مليار دولار) لترتفع مساحة الأراضي المستغلّة إلى ٩ ملايين هكتار والمسقية ٢ مليون هكتار.
هذه المؤشّرات الأولية توحي بأنّ الأرقام توجد في سقف يتّسم بالتّشجيع، وقابلة للزّيادة أكثر انطلاقا من قيمة الاستثمارات المقدّرة بـ ٢٥٠٠ مليار دينار، أدّت إلى قفزة عملاقة في أداء الشّعب الفلاحية ذات الاهتمام الواسع.
والعمل المسجّل إلى يومنا هذا، ترجمة لخلفية بعيدة المدى ترتكز على توفير الأمن الغذائي للجزائر، والابتعاد كليا عن الاعتماد على الأسواق الخارجية، وهذا رهان يتطلّب الأمر كسبه، وتحدّي يستدعي رفعه مهما اقتضت الأحوال والظّروف.
لأنّ الكلام اليوم لم يعد قائما على مفهوم الاكتفاء الذاتي الذي تجاوزته الأحداث، ويتواصل ذلك مع الإرادة القوية، والرغبة الجامحة في تدعيم التصدير، وهذا الشّغل الشّاغل للسّلطات العمومية في الوقت الراهن، والتّجارب الأولى تؤكّد نجاح هذا المسعى الذي شرع فيه مؤخّرا بالرّغم من قساوة هذا النّشاط.
وفي هذا السّياق، انخفضت فاتورة استيراد المواد الغذائية بحوالي ١٤٪ بفعل تراجع واردات السّكر، الحليب، البقوليات والحبوب. ومن خلال ملف «محليات الشعب» سنحاول إبراز عيّنات من منتوجنا الفلاحي عبر الجزائر العميقة، يظهر ما تتوفّر عليه ولاياتنا من قدرات هائلة أفرزت نموّا استثنائيّا في مواد استراتيجية كالحبوب، وأنواع أخرى من الخضر والفواكه وغيرهما.