لم يكن كلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة وهو يتحدث عن تفضيله حل الدولتين للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، مقنعا لأحد، فالرّجل ومنذ أن تولى إدارة البيت الأبيض، أبدى بوضوح أنه منحاز لإسرائيل وفي ظرف عامين من حكمه، أجهز على ركائز القضية الفلسطينية الواحدة تلو الأخرى من خلال إصداره قرارات جائرة لم يجرؤ رئيس أمريكي قبله على إصدارها.
لقد أخذ ترامب منذ البداية مكانه إلى جانبّ الاحتلال الإسرائيلي، غير مبالٍ بأحد، وقّع منذ ديسمبر الماضي على سبعة قرارات مزعجة وموجعة، بعضها يضرب عمق القضية الفلسطينية، والآخر يمارس خنقا ماليا على الشعب الفلسطيني ليرغمه على مغادرة أرضه أوالقبول بـ»صفقة القرن» وهي خطّة السلام التي فصّلتها الإدارة الأمريكية على مقاس الكيان الصهيوني الغاصب، والتي ترمي في النهاية إلى وأد الحقّ الفلسطيني في العودة وفي إقامة دولة قابلة للحياة.
أوّل ما صدم به ترامب الفلسطينيين في ديسمبر الماضي، كان إعلانه الرسمي اعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وقراره نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، في خطوة رفض كلّ من تعاقبوا قبله على البيت الأبيض تنفيذها، رغم أن قانون نقل السفارة صدر عن الكونغرس سنة 1995.
وقبل أن يجفّ الحبر الذي وقّّع به قرار نقل السفارة، أعطى ترامب في جانفي الماضي أوامره بتقليص المساعدات الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، حيث جمّد نحو 300 مليون دولار من أصل المساعدة البالغة حوالي 365 مليون دولار.
وتسبّب ذلك الإجراء في مفاقمة الأزمة المالية التي كانت تعانيها وكالة الأونروا أصلا، مما دفع إدارتها إلى اتخاذ قرارات عدة أدت إلى تقليص خدماتها في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
وفي ذكرى النكبة، وجّه ترامب الضربة الأكثر إيلاما للفلسطينيين، حيث قدّم للصهاينة الهدية الأثمن في عيد ميلادهم المشؤوم، وأعطى أوامره بنقل السفارة الأمريكية فعليا من تل أبيب إلى القدس المحتلة يوم 14 ماي الماضي، وقال في خطاب لاحق إن نقل سفارة بلاده إلى القدس يزيح ملف القدس من أي مفاوضات فلسطينية إسرائيلية.
بعد أشهر من قرار تقليص المساعدات، قطعت الإدارة الأمريكية في أوت الماضي كافة مساعداتها المالية لوكالة الأونروا، وتجلى واضحا، أن إدارة ترامب تعمل على إنهاء وضعية «لاجئ» لملايين الفلسطينيين.
كما أوقفت إدارة ترامب كل المساعدات المقدمة للفلسطينيين، وأصدر البيت الأبيض بيانا جاء فيه أن واشنطن أعادت توجيه أكثر من 200 مليون دولار كانت مخصصة لمساعدات اقتصادية للضفة الغربية وغزة، إلى مشاريع في أماكن أخرى حول العالم.
ولم يتوقّف الخنق المالي الأمريكي للفلسطينيين عند هذا الحد، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في سبتمبر الماضي حجبها 25 مليون دولار، كانت موجهة لمساعدة المستشفيات الفلسطينية في القدس.
سلسلة القرارات الجائرة لم تنته هنا، إذ أمرت إدارة ترامب بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وطردت السفير الفلسطيني عقابا على مواصلة الفلسطينيين العمل مع المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم الحرب الإسرائيلية.
ترامب الذي يقول إنه مع خيار الدولتين، ومع استئناف عملية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، يناقض نفسه، ويغالط العالم، فقراراته كلّها تنسف كلّ أمل في إقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، إنه يخطّط لدولة بدون قدس، تفترش مساحة ضيّقة متناثرة بين الضفة وغزة دون رابط بينهما، تكون أشبه بالمحتشد الذي يتكدّس به ملايين الفلسطينيين، لينعم المحتلون بباقي فلسطين وبخيراتها.
لكن غاب على ترامب، الذي أصبح يحمل العالم كلّه على ظهره ويديره في الاتجاه الذي يريد، أن الفلسطينيين سوف لن يرضخوا لأي نوع من الغطرسة، وسيواجهون الظلم الذي يتعرّضون له بالتمسّك بأرضهم وبحقوقهم التي تقرّها اللوائح الأممية، وإذا كان الزمن اليوم في غير صالحهم، فهو غدا سيكون إلى جانبهم، ولن يضيع حقّ وراءه مطالب.