العزل والتشخيص المبكّر يحاصر المرض
قلّل مدير معهد باستور بالجزائر فوزي درار، من خطورة جدري القردة على الصّحة العالمية، خاصة وأن نسبة الوفيات التي يتسبب فيها تقل عن 1٪، حيث أنّ المرض المنتشر حاليا يعود موطنه إلى إفريقيا الغربية، الأقل خطورة من فيروس إفريقيا الوسطى، مبرزا أنّ الجزائر ليست في منأى عن الوباء الذي فاجأ العالم لتزامنه مع جائحة كورونا.
قال المدير العام لمعهد باستور البروفيسور فوزي درار، خلال نزوله ضيفا على فوروم جريدة «الشعب»، إنه لم يتم تسجيل أي حالة لجدري القردة بالجزائر، لاسيما وأن الجزائر لم ينتشر فيها الوباء. في وقت دقت المنظمة العالمية للصحة ناقوس الخطر وتحذيرها من تنقل المواطنين لبلدان يتواجد فيها المرض، حيث وضعت ترتيبات حسب نسبة الخطورة، رغم أنها ليست نسبة عالية تقل عن 1٪، مبرزا أن المشكل الموجود يكمن في نسبة الخطورة، إذ أن تسجيل حالة واحدة في أي بلد ما، يحول الوضع إلى وباء، لأن المرض ينتقل إلى الأطفال وإلى الأشخاص الذين يملكون نظاما مناعيا هشا.
لم يتلقوا اللقاح
أكد درار أن كل من تلقى تلقيحا ضد الجدري قبل سنوات الثمانينيات، أي 1980، وتتجاوز أعمارهم خمسين سنة، تبقى عندهم نسبة مناعة ولو كانت ضئيلة. إلا أن ـ يضيف المتحدث ـ من هم أصغر من أربعين سنة ومن يأتي بعدهم لا يحوزون على مناعة مكتسبة من التلقيح، لأن التلقيح توقف في سنة 1980.
وذكر درار، أنه في حال انتقال المرض إلى هذه الشريحة التي تفتقر للمناعة، سيسمح بانتقال العدوى بسرعة، وهو ما دقت بشأنه منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر، بهدف وقف زحف الفيروس قبل انتقاله بطرق أخرى، معتبرا أن نسبة الخطورة حاليا ضئيلة، لكن وجب الحذر، لافتا إلى أنه عندما يتم تسجيل حالة واحدة بالفيروس وجب عزلها، ما يعني إيقاف الفيروس في مرحلة ظهوره، مبرزا أنه بعد حوالي أربعة أسابيع تظهر أعراضه على الشخص المصاب، حيث يأخذ احتضانه في جسم الإنسان وقتا أكثر مقارنة بكوفيد، الذي يستغرق 3 أيام.
وتحدّث المسؤول ذاته، عن ما أقرته منظمة الصحة العالمية، التي تؤكد بأن العزل والتشخيص المبكر يحاصر المرض، عكس كوفيد-19 الذي ينتقل بعد يومين أو ثلاثة أيام، عكس جدري القرود المنتشر بأكثر من 23 بلدا، بحسب ما سُجل إلى يوم أمس، وتم تشخيص 266 حالة مؤكدة، في وقت لم تسجل بلدان عدد كبير من الإصابات، مشيرا إلى عدم التفطن لبعض الحالات من قبل أنظمة المراقبة العالمية مثل منظمة الصحة العالمية، في دول كان تركيزها على أمراض أخرى بسبب جائحة كوفيد. ورغم ذلك، فإن تضافر الجهود يمكّن من إيقاف المرض خلال الأشهر المقبلة رغم وجود حالات سُجلت، يقول درار.
في السياق، أضاف المسؤول ذاته، أنه ومن الناحية العلمية فإنه يُعاب على الأجهزة الدولية، ممثلة في منظمة الصحة العالمية، التي لم تدق ناقوس الخطر، حينما كان ينتشر المرض في بعض البلدان الإفريقية، لأن السيطرة على الوباء تقتضي الذهاب إلى موطن ظهوره في إفريقيا الغربية وإفريقيا الوسطى، حيث لم يكن الانتباه له كبيرا، ما ساعد على انتقاله إلى بلدان أوروبية، على غرار بريطانيا أين تم التفطن للأمر، يضيف درار.
1٪ نسبة الانتشار
وتابع يقول، «أمّا فيما يخص أنواع فيروس جدري القرود، فهناك نوعان ظهرا في إفريقيا الغربية وإفريقيا الوسطى، فالذي ظهر في إفريقيا الوسطى يعتبر أكثر خطورة، حيث بلغت نسبة الوفيات به 10٪، عكس الفيروس الذي موطنه إفريقيا الغربية، حيث لم تتعد خطورته الواحد من المائة». موضحا أن جل الدراسات الجينية الحالية في أمريكا وأوروبا، تشير أن الفيروس المنتشر هو فيروس إفريقيا الغربية، لهذا فإن نسبة الخطورة ضعيفة حاليا، ولكن ـ يؤكد ـ وجب علينا الحرص من خلال المراقبة الدقيقة وإعطاء المعلومة الدقيقة أيضا، وما يجب فعله هو الوقاية حتى نتفادى ظهوره.
الإستهتار سائد
كما تحدث درار، عن ظهور جدري القرود حاليا وتزامنه مع انتشار فيروس كورونا، الوباء الذي ضرب العالم، حيث لم يتم الانتباه له، بما أن العالم كله كان مجندا لمجابهة المرض من خلال التشخيص على نطاق واسع، حيث الاستهتار كان السائد، بأنواع أخرى نتج عنه غياب نظرة جيدة لهذه الأمراض، وتم تسجيل أمراض في وقت تخلت فيه دول عن المراقبة العامة لكوفيد-19، مستشهدا بما تم تسجيله في بريطانيا من حالات، ليتم بعدها إطلاق صفارة الإنذار، للحد من السفر إليها.
واعتبر ضيف فوروم «الشعب»، أن المرض في حد ذاته ليس مفاجئا، بل ظهر منذ سنوات السبعينيات من القرن الماضي في دول إفريقية التي اعتادت تسجيل حالات لهذا المرض، مثل الكونغو الديمقراطية، الكونغو، الكامرون، نيجيريا، وبعض البلدان الإفريقية التي اعتادت تسجيل حالات مثل هذه.
وتابع المسؤول ذاته يقول، «وإن كان منذ شهر جانفي بدأت بعض الحالات تظهر في بلدان إفريقية بسبب نمط التعايش مابين الإنسان والقوارض، حتى أن السنجاب في بعض أصنافه، له عامل انتشار لدى الإنسان، وهذا من خلال الاحتكاك مع الإنسان، إلى درجة انتقال الفيروس من هذه الحيوانات إلى الإنسان».
ونبّه مدير معهد باستور، إلى أن المتعارف عليه حول بعض الحالات التي سجلت في الثمانينيات، تتعلق بحالات رائجة من هذه البلدان، مثل خدش الحيوان. مضيفا، أن الوضع المفاجئ الحالي هو انتشار حالات كثيرة في ظرف قصير في أوساط أشخاص لم يزوروا هذه البلدان الإفريقية أساسا.