في أعـالي جبـال حمام ملوان

إرادة تكسّـــر الصّخـر للاستثمــار

البليدة: أحمد حفاف

الاستقرار الأمنــــي أعــاد إلى المنطقة وجههـا الحقيقــي

  في جولة إلى جبال حمام ملوان، ينتابك شعور غريب ممتزج بالغبطة والألم، أمام نشاط وعمل دؤوب للفلاحين والمربين، وحزنا على ماضيهم الأليم، فبعد إرغامهم على الرحيل بسبب الأزمة الأمنية التي عرفتها البلاد خلال سنوات التسعينيات، ها هم يعودون لزرع الأمل وخوض معترك الحياة مساهمين في التنمية.

 التقت «الشعب» المستثمر عبد الرفيق عباد الذي أجاب على أسئلتنا بصدر رحب، قائلا: «أنا مربي حيوانات وفلاح أيضا، أملك حاليا ما بين 20 و30 رأسا من البقر وبين 30 و40 رأسا من الماعز، قمت أيضا بغرس ما يقارب هكتارين من الأشجار، ركّزت فيها على التين والزيتون وبعض أشجار البرقوق، المشمش والإجاص».
وتابع بالقول: «مياه السقي غير متوفرة لدينا، لذا لم نوسّع نشاطنا الزراعي، وكما تعلمون في الجبال نعتمد على مصدر الينابيع، التي شحّت مياهها، ولكي نُوفّر المياه بشكل كاف لابد من بناء أحواض، لذلك آمل في أن تساعدنا الدولة في هذا الإطار، لأن السقي المحوري والتقطير يتطلّب توفّر أحواض لتخزين المياه، ولا يمكن القيام بذلك عند جلب المياه من الينابيع، وبناء أحواض سيسهل أيضا جمع المياه، فعوض أن تسقي مساحة هكتار واحد يمكن سقي 3 أو 4 هكتارات».
حضور في الميدان
  استحضر عبد الرفيق الذي هو في عقده الخامس كيف أرغمته الظّروف على ترك أرضه خلال سنوات التّسعينيات: «كنّا نقيم بمنطقة قوبع بالطّريق المؤدّي إلى حي السباغنية، ورحلنا إلى مقطع لزرق مع نهاية سنة 1995 بسبب الظروف الأمنية الصعبة (يقصد الإرهاب الذي أضرّ كثيرا بالمنطقة)، وفي عام 2006 بدأت أشتغل بتربية عجلين فقط ثم طورت نشاطي، علما أنّ أبقارنا تتغذّى بالرعي في الغابة، لكن هذه السنة وبسبب الجفاف قمنا بشراء العلف، وخسرنا سعر بقرتين لأجل توفير الأكل بسبب الجفاف للأسف، فالرعي ليس طوال السنة، بل يكون في شهري الربيع والصيف، ونبدأ في توفير الأكل في أوت، ونستمر في ذلك حتى نهاية شهر مارس».
ويُسهم هذا المستثمر في إنتاج الحليب بشكل معتبر، ففي فصل الربيع يصل معدل إنتاجه اليومي 20 لترا، وتنفذ سلعته بسرعة لجودتها، فزبائنه يأتون إليه لأخذ هذه الحصة، وبحكم التجربة يرى عبد الرفيق بأنه قد يُوظّف عمالا إذا ما طوّر مشروعه مستقبلا، لكنه يُفضّل أن يحرص عليه شخصيا: «يتعين أن يحرص المربّي على عمله بصفة شخصية والعامل لن يفيد في هذا المجال، فقد تكلف العامل بإحضار الأكل للأبقار لكن لا تعوّل عليه كثيرا، ومن الضروري أن تشرف أنت كمربي على ماشيتك أو أبقارك».  
بالإضافة إلى تربية الحيوانات وزراعة الأشجار المثمرة، ينتج عبد الرفيق بعض المحاصيل الهامة مثل الطماطم، الباذنجان، البصل والثوم، وغالبا ما يزرعها في فصلي الربيع والصيف، وهي منتوجات بيولوجية خالصة وصحية مائة بالمائة.
 بداية جني الثّمار
في ذات الجولة، توقّفنا بدوار «الداوبشية» التابع لمنطقة الشرفاء، لنشاهد هكتارات من الأراضي تم استصلاحها وتهيئتها من طرف المستثمر محمد ديبوش، والذي يعتبر نموذجا ناجحا يحتذى به، فهو أول فلاح بالمنطقة يُجرّب غرس أشجار الكرز، كما خصّص مساحات معتبرة للكروم، ويقوم ببناء منزل تحسّبا للإقامة به، ليكون قريبا من هذه المساحات الفلاحية، ثم تنقلنا إلى إسطبله لتربية الأبقار، حيث أوضح شقيقه بأنّ استثمارهم تحقّق بأموالهم الخاصة ولم يستفيدوا من أيّة إعانة، وليس بعيدا عن اسطبل ديبوش هناك اسطبلات هامة للمربي عبد الرفيق، وكلّها قريبة من الطريق الرابط بين مقطع لزرق وحي السباغنية.
قبل أن نُودّع مقطع لزرق، أشار محمد ديبوش، إلى أنّ تطوّر الفلاحة الجبلية في حمام ملوان بتحسن الظروف الأمنية، كما ألحّ على ضرورة توفير الكهرباء الفلاحية التي ستسهل عملية السقي، فذلك سيحفّزه وزملاؤه على توسيع نشاطهم، ويشجّع من لهم أراضي بالمنطقة على الالتحاق بهذا النشاط، على حد قوله.
ويروي محمد عن تجربته: «نحن أبناء المنطقة، كنّا نعيش فيها وبسبب العشرية السوداء تركناها ورحلنا نحو المدن كما حدث لكل سكان الجبال في سائر الوطن، ومع أواخر سنة 1996 رحل الجميع ممّن كانوا يسكنون بها وكأنّهم تشرّدوا وتوقّف نشاطهم بصفة نهائية، وبعد استتباب الأمن بدأت عودتهم تدريجيا بين سنتين 2005 و2009، حيث باشروا في شراء الأبقار وتهيئة الأراضي، وشيئا فشيئا وسّعوا نشاطهم وتحدّوا كل الصعاب، وكل هذا بمجهوداتهم الخاصة، وكان الدعم الوحيد هو تعبيد 6 أو 7 كيلومترات من الطريق قبل خمس سنوات تقريبا، والتي سهلت تنقلنا طبعا».
وتابع بالقول: «نطالب بشق الطّرقات وتوفير الطاقة لأن ذلك سيشكّل دافعا للناس للعودة لخدمة أراضيهم وحتى بناء الإصطبلات لتربية الدواجن والأبقار، فتوفير البنية التحتية سيسهل عمل الفلاحين...بدأت عملي في سنة 2009، في بداية الأمر كنت مربيا للأبقار فقط، ولحد الآن قمت بزرع 7 هكتارات، وكل أنواع الأشجار تنجح زراعتها باستثناء البرتقال، زرعت هكتارين من الكروم وثلاثة أخرى من البرقوق والباقي متنوع، وفي السنوات الثلاثة الأخيرة بدأت أحصد الغلة».
مجلة التنمية المحلية العدد 2 - بتصرف

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024