ذاكرة مكان

فرنسيـــون حوّلــوا العاصمـــة إلـى مرتــع للحثالـة

 إن قرارات الاستيلاء على الأملاك بكل أنواعها استمرت في الظهور بين 1830-1837، وازدادت تضييقا وجورا أيضا في قرارات 1839 1842 1848، وكان الهدف تفقير الجزائريين وإجبارهم على الهجرة وترويضهم سياسيا عن طريق الاقتصاد والحصول على الأملاك للأروبيين (منحة وبيعا) الواردين على الجزائر بقصد الإستيطان والإستعمار.
لم تكن تلك القرارات مقتصرة على الأملاك في مدينة الجزائر بل شملت كل المدن التي وقعت بالتدرج فريسة للاحتلال الفرنسي مثل وهران وتلمسان وعنابة وبجاية والمدية والبليدة ثم قسنطينة وغيرها، كما شملت القطاع الريفي أيضا بعد القبض على مقاليد الأمور في المدن.
وكان بعض الفرنسيين أنفسهم ينددون بتلك الإجراءات خصوصا الاستيلاء على الأملاك الفردية بدون تعويض والاملاك الدينية (الأوقاف) وتعطيلها عن أداء وظيفتها ومنهم (دي صاد) عضو اللجنة الإفريقية وعضو البرلمان الفرنسي الذي استنكر سنة 1834 التخريب الكامل لـ 900 منزل بدون إخطار أصحابها مسبقا وبدون أي تعويض مما أجبر كما قال عشرة آلاف مواطن جزائري على الهجرة من العاصمة ومنهم 300 عائلة من الأعيان.
بالإضافة إلى ترحيل من أسماهم الفرنسيون بالأتراك الذين بلغ عددهم أكثر من خمسة آلاف شخص، وقد استمرت الهجرة من المدن الجزائرية بعد سنة 1834 طبعا، والمعروف أن أليكسيس دي طوكفيل الكاتب والبرلماني الفرنسي كان على رأس الذين استنكروا تعطيل الأوقاف عن مهمتها رغم إيمانه بضرورة الاستعمار.
وقد كانت المدن الجزائرية وعلى رأسها العاصمة مضرب المثل في النظافة والأمن وكثرة الحدائق والبساتين وبهاء الدور ووفرة المياه حتى تغنى بها الأدباء والشعراء العرب وسجل ذلك الرحالة الأوروبيون قبل الاحتلال الفرنسي فإذا بها تصبح بعده بسنوات قليلة مضرب المثل في الأوساخ وذبول الحدائق وانتشار الأمراض المعدية الواردة مع الجنود والفساد الأخلاقي والغش والمضاربات والفوضى وانعدام الأمن خصوصا أيام تولى (دو بينوس) شؤون الشرطة وتولى القنصل السابق (دوفال) شؤون العدل، ذلك أن بورمون قد أباح المدينة لآلاف الجنود والمرافقين لهم من حثالات فرنسا فعاثوا في المدينة فسادا واعتداء وتخريبا وحماقة واهانة وهذا أمر مسجل في كتبهم وبينا الأمر كذلك مع الجنود كان الضباط كما قال مؤرخهم (بول آزان) قد استولوا على الفيلات والقصور وجلسوا يتفرجون ويكتبون الرسائل لذويهم وخليلاتهم.
وها هو النائب دي صاد يقول لزملائه في البرلمان سنة 1834 ان الجزائر كانت مليئة بالحدائق والمحلات الجميلة، ولكنها الآن (أي بعد أربع سنوات) أصبحت جميعا خرائب وحتى أنابيب المياه التي تسقي المدينة قد خربت وهل بعد ذلك نستغرب أن يذكر لنا بول آزان في باب المدح والثناء سجلات كل من تولى أمور الجزائر في هذا العهد (1830-1837) منوها بما بذله من أجل الحياة الصحية والنظافة بعد أن يقدم لذلك بعبارات تثير الاشمئزاز عما وصلت اليه حالة المدينة قبل توليه من الاهمال والتعفن ولكن بول آزان وأمثاله لا ينسبون ذلك الى الاحتلال ونتائجه لأن عين الرضى عن كل عيب كليلة ....

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024