«سندروس»بوادي سوف

جوهرة تنتظر نفض غبار التهميش

استطلاع: أمينة جابالله

تعتبر قرية سندروس من أهم العقار الأثري الروماني المتواجدة بولاية وادي سوف، الواقعة ببلدية العقلة التي تبعد عن مدينة الوادي بحوالي 20 كيلومتر، المدفونة تحت الرمال منذ سنين طويلة بسبب التهميش من طرف الإنسان من ساكنة ومسؤولين، وبالرغم من ذلك مازالت لغاية اليوم تقاوم الزمن وتتحدى قسوته وآثاره، فالمار من جنبات المكان سيلمح تمسكها بالأمل المتروك على عاتق المعنيين القادرين دون غيرهم على إعادة مجدها واعتبارها كأبرز معلم سياحي ثقافي تاريخي بولاية الوادي، كما سيلمح ما تبقى من المعالم ذات البصمة الرومانية التي استسلمت طواعية لسحر الصحراء الذي لا يقاوم.


يستند تاريخ المنطقة التي تحتضن «قرية سندروس» على كثير من الأقاويل والحكايات الغريبة، المتصلة بسلسلة طويلة عريضة من الأساطير والخرافات المنقولة من طرف سكان المكان خصوصا وأنه لا يزال البحث جاري عن حقيقة هذه القرية التي استدرجت فضولنا وجعلتنا نخوض محاولة التقصي والتحري أكثر عن المكان، وذلك باتصالنا وتواصلنا مع بعض أهالي منطقة سوف خاصة ممن يعيشون بالقرب من تلك المنطقة، الذين تضاربت أقوالهم في كثير من المناحي أثناء سرد ما يعرفونه عن أصل المكان، وأجمعوا على أن هذه القرية تكثر عنها الكثير من الخرافات والأساطير والتأويلات منذ سنين طويلة، ولحدّ يومنا الحالي لا توجد أي معلومات أو دلائل مؤكدة حول هذه القرية الأثرية وما يعرف عنها يبقى قليل جدا وغير كافي.

«سندروس» ملاذ الخلاص الروحي
أكدت مصادر تاريخية حول المكان، أنه تمّ تسجيل وجود الرومان قديما في منطقة سندروس بالوادي، التي توحي أطلالها وهندستها المعمارية على مرور مجتمعات يهودية عاشت في تلك المساحة إلى جانب وجود آثار حياة سابقة لرهبان مسيحيين تركوا موطنهم الأصلي وفضّلوا العيش في الصحراء، وربما السبب يعود إلى الإستئناس بسحر الصحراء الذي ساهم في بعث الحالة الروحية لديهم أكثر منه حالة اقتصادية أو اجتماعية، لأن حياة الرهبنة والنسك والتصوّف ظاهرة ارتبطت بالتاريخ الديني عند كثير من الشعوب،وذهبت أرجح الأقوال أن الاستثمار السياحي لعزلة الراهب الروسي في مطلع القرن العشرين في منطقة سندروس مثلا، ربما كانت بسبب عقيدته الارثذوكسية التي لا تتوافق مع إتباع البابوية (البباصة بالعامية) لكنها في كل الحالات يمكنها أن تكون علامة تجارية للسواح الروس حين نخبرهم بالحقيقة المتعلقة بابن وطنهم الذي اتخذ من هذا المكان ملاذا لخلاصه الروحي ويمكن أيضا لأبناء الجهة من المستثمرين في المجال السياحي تسويق هذه العلامة التي ستكون معلما من معالم الجزائر السياحية، إذا وفرت للسواح جماليات الصحراء والسكنية التي وجدها هذا القديس الروسي.

شجيرات السندروس واصل التسمية
نجد في كتاب «الصروف في تاريخ الصحراء وسوف» يتحدّث عن وجود الرومان بمنطقة سندروس قديما حيث قال إن الرومان قد أتوا إلى هذه الأرض (أرض الوادي) منذ دهر طويل لا نعلم أوله، وقاتلوا من فيها واخرجوهم منها فتفرقوا في افريقيا وسكنوا الجردانية والبليدة وجددوا ما تهدم منها وتعمقوا في أراضيها وقد عثر على آثارهم في عدة مناطق مثل قمار والرقيبة وغرد الوصيف كما توجد تحت الكثبان الرمال في عميش الواقعة على بعد 20 كلم جنوب شرق المنطقة مكان يدعى زملة سندروس نسبة إلى شجيرات السندروس وموطنها الأصلي شمال إفريقيا التي يوجد بها أثار الرومان.
وفي ذات الصدد، نجد من بين أهم آثار الرومان لقرية سندروس ما يعرف ببئر الرومان الواقع على بعد 180كلم جنوب شرق سوف المبني من الحجارة المنحوتة، ومن تسميته يعتقد بأن الرومان هم من قاموا بحفره لتأمين قوافلهم في طريقها إلى غدامس، ومن أهم الدلائل المادية التي تبرهن على التواجد الروماني بوادي سوف والقطع النقدية التي عثر عليها، إحداها بها صورة الإمبراطور قسطنطين، وهي تثبت خضوع المنطقة لهم في القرن الرابع، وعثر على كثير من القطع في غرد الوصيف جنوب غرب الوادي 40كلم، كما عثر في ڤمار على قطع تعود إلى عهد ماسينيسا وإلى عهد الجمهورية الرومانية (نايرون) وأخرى للعهد النوميدي.

سندروس تستصرخ الاستثمار السياحي فيها
إن هذه المنطقة التاريخية الرومانية التي تستصرخ الاستثمار فيها سياحيا لكي تنال حظها من توافد الزائرين المحليين، لاسيما السواح الأجانب الراغبين في اكتشاف أهم معلم من معالم السياحة في الجزائر، تبقى رغم الرمال التي تعلو هندستها والتي تكسوا محيطها مقاومة لكل سبل التهميش التي طالتها من كل جهة، والتي لن تقبل بغير ذلك القرار العادل الصادر من المعننين  بالأمر الرامي إلى ترميمها وتدوينها تاريخيا وإزالة الغبار عنها والاستثمار فيها وإبراز جمالياتها السياحية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024