حديقة لندن

رئة بسكرة الخضراء وموطن الإبداع الفني والأدبي

بسكرة: عمر بن سعيد

 تتميّز بسكرة بحدائقها العمومية ذائعة الصيت ومنها حديقة لندن، والتي تعرف بجنان لندو، أنشئت سنة 1872 من طرف الكونت لندن، وتعتبر ثاني حديقة على مستوى الوطن من حيث تنوع الأصناف النباتية التي جلبت من مختلف أنحاء المعمورة.
 هي محمية مصنفة وتعتبر جنة الله على أبواب الصحراء، حسب وصف الكاتب البريطاني «روبرت هتشنيز»، حيث ألهمته كتابة روايته «جنة الله» وكل من زارها من مشاهير الأدباء والفنانين استهوتهم هذه الجنة، وأبدعوا فيها أعمالا أدبية وفنية، أمثال أندري جيد والرحالة الألماني هاينريش مالتسان، واوسكار ويلد  وغيرهم وهي الآن تغري أبناء بسكرة.             
حديقة لندن رئة عاصمة الزيبان الخضراء، من أهم الحدائق العامة على المستوى الوطني، تتميز بتنوع نباتاتها المغروسة بطريقة منتظمة، وبأصناف متنوعة من الأشجار المتوسطية والاستوائية، الرحالة «تارديو امبرواز» استهوته بسكرة وحديقة لندن، ويصف في كتابه «من باريس إلى الصّحراء» الجمال الذي يسحر القلوب في هذا المحيط الصحراوي، هذا البلد القاحل الذي نلمحه من فرنسا هو فضاء شعري بواحاته وسمائه جميل في المساء، وقبو سماوي ملون.
لها ظلال تبدو مساء كالقبو، ملون تتخلله ظلال من اللون الأصفر الذهبي والزمر الأخضر ثم تظهر الجبال بلون وردي رقيق، وهو ما سحر العديد من الرسامين والأدباء، وفي خضم هذا الانبهار يعرض الكاتب على قرائه زيارة قلعة لندن ذات المعمار الشرقي وحديقته التي تعتبر جنة حقيقية على الأرض التي أقامها هذا الكونت المحب للأدباء وذوي الإبداع..                    
الحديقة التي تتربّع على 05 هكتارات هي فضاء أخضر مورق تتوفر على أصناف متنوعة من الأشجار المتوسطية والاستوائية «شيئًا سحريًا ويذكرنا تمامًا بالليالي العربية».
من النادر أن ترى حديقة أجمل منها: كل نباتات المناطق الاستوائية والبلدان الاستوائية موجودة بكثرة مثل أشجار لاتانا وأشجار الموز والبامبو ونخيل جوز الهند واللبخ الهندي غابة عذراء اللبخ، الكشمش الأسود، الاكاسيا والغار  الوردي والأبيض، وغيرها من النباتات التي تأقلمت مع مناخ المدينة الجاف. وقد أطلق عليها الروائي الإنجليزي روبرت هيتشنز وصف «جنة الله»، فهي ملاذ للسلام والطمأنينة ومكان للتأملات والإبداع للفنانين.
أنشأ الكونت دي لندن دي لونجفيل هذه الحديقة سنة 1872، على مساحة تقدّر بـ 05 هكتارات، وبني بها قصره الذي كان مقرا دائما لإقامته، إضافة إلى رواق مخصص للفنانين التشكيليين..وقد سحرت هذه الجنة العذراء كبار مشاهير الفن والأدب، فقد أقام بين ظلالها الكاتب صاحب جائزة نوبل للأديب «أندري جيد» فترات طويلة وكتب فيها بعض أعماله، وكذا ذكرياته عن الإقامة ببسكرة التي تعلق بها وربطته بسكانها علاقات بعيدة عن التكلف.
وقد تنازل الكونت عن ملكية الحديقة لبلدية بسكرة، لكن تسجيل التنازل تم في 30 / 04 / 1955، وصنفت سنة 1992 كموقعا محميا بصفة حديقة نباتية، وعرفت الحديقة فترات تميّزت بالإهمال والاستغلال البعيد عن الأهداف التي وضعها مؤسّسها، ففي خضم ثورة التحرير أقيم فيها مركز للتعذيب واستنطاق المجاهدين والمناضلين، وشهدت إعدامات لخيرة شباب المدينة.
كما شهدت بعد ترقية بسكرة إلى ولاية اقتطاع مساحات منها أنجزت فوقها إقامة رسمية خاصة بالولاية، لكن بقيت تلعب دورا محوريا في احتضان فناني المدينة ضمن الرواق الخاص بالفن التشكيلي، إضافة إلى مكتبتها العمومية ومسرح الجيب الذي كانت تستغله جمعية المسرح ببسكرة إلى غاية بداية الألفية الثالثة، حيث رحلت المكتبة وأغلق المسرح ضمن عملية هدفت إلى إعادة الاعتبار لها، ولم يبق غير رواق الفنون المستغل حاليا من قبل جمعية فنية، كما كلفت مؤسسة «بسكرة نات»، وهي مؤسسة مختصة بالنظافة بتسيير هذا المرفق بدل البلدية، وفرضت رسوم دخول على الزائرين بحجة المحافظة على سلامة هذه الحديقة التي تعتبر الرئة الخضراء الأولى للمدينة، ومقصدا للعائلات البسكرية والزوار.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024