أوّل يـوم في المدرسة

ذكريــات حافظــــت عليها أجيال متعاقبـــة

استطلاع: فتيحة كلواز

 تقاليد ترسّخ أهمية أوّل خطوة نحو المستقبل

ذكرى اختلفت تفاصيلها بين ماض بعيد وحاضر قريب

 من منّا لا يتذكر يومه الأول في المدرسة، يوم يرى فيه المختصين نقطة تحول مهمة في حياة الطفل لانتقاله من المحيط العائلي الى محيط آخر مليء بالغرباء والضوابط والقواعد الواجب احترامها، هو يوم ترسخ في ذاكرة كل واحد التحق بالمدرسة لأوّل مرّة، سنسأل اليوم الجزائريين عن يومهم الأول وما هي أهم الذكريات العالقة.
لم يختلف اثنان ممن اقتربت منهم «الشعب» حول أهمية اليوم الأول في المدرسة بل هناك من اعتبره منعرجا مهما وأول خطوة فعلية يخطوها المرء نحو المستقبل.
بطاقة السنة أولى ...نكهة ذكريات
رسمت سميرة كوادير 48 سنة ابتسامة جميلة عند سؤالها عن تفاصيل أول يوم من تمدرسها، حيث أجابت: «كان يوما غريبا مليئا بالمفاجآت فقد تزامن مع ذهاب أمي الى مستشفى «بارني» بعد أن جاءها المخاض، لذلك رافقني والدي الى مدرسة البنات «الثريا» بحي البدر «لوتيسمو ميشال»، وهناك جلست في آخر الصف فقد كنت فتاة خجولة وغير اجتماعية، ومع مرور الوقت شعرت بخوف كبير تسبب في نوبة بكاء شديد، ما جعل الإدارة تستدعي والدي، ربما كان غياب والدتي سببا في تلك الحالة النفسية، لكن الأمر لم يتوقف هناك، بل تطور ليصبح رفضا تاما للذهاب الى المدرسة.»
«أصبت باكتئاب حاد أثر سلبا على صحتي الجسدية، أتذكر والدي وهو يصرخ ويعنفني بسبب رفضي الذهاب إليها، لكن رغم ذلك أجبرني على الذهاب دون رحمة، عانيت كثيرا في تلك الفترة، لكن المعلمة استطاعت استيعاب حالتي بتحبيبي في المدرسة، بل أكثر من ذلك بعد أن كنت في ذيل ترتيب زميلاتي في القسم، تمكنت من النجاح والانتقال الى السنة الثانية لتبدأ مرحلة جديدة من التفوّق.»
أما جمال فاهم ما يتذكر من يومه الأول في المدرسة سوى الملابس الجديدة التي كانت ملابس عيد الفطر، احتفظت بها والدته في حالة جيدة حتى يرتديها في هذا اليوم التاريخي حيث قال: «كان مئزري والبطاقة التي تحمل اسمي ورقم قسمي أهم ما كنت انتظره عند دخولي الى المدرسة، لم يكن الأمر كما هو اليوم، فقد ارتديت ملابس العيد ومئزرا باللون الأزرق الغامق، ومحفظة عادية مربعة الشكل فيها سيالة زرقاء وكراسة، تحصل عليها والدي من المؤسسة التي يعمل بها، فقد كانت المؤسسات فترة الثمانينات توزع المحافظ والأدوات المدرسية على العمال، أما المدارس فتوزع المآزر لمنع الفوارق بين التلاميذ، فلا يتفاخر هذا بملابسه أمام الأطفال الفقراء .»
وأضاف قائلا: «أتذكر يومي الأول في المدرسة وكأنه اليوم فقد رافقتني جدتي الى مدرسة الذكور «حي اكلي» فقد أصابني نوع من الخوف حينها لأنني أول من يلتحق بالمدرسة في العائلة، لذلك شعرت وكان الجميع ينتظر ردة فعلي خاصة وأنني المدلل والشقي الصغير في العائلة، لكن كان الامر بالنسبة لي عيدا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى سعدت كثيرا بدخولي الى المدرسة، فغالبا ما كان أبي يعتبرها مكانا للكبار وذوي الهمم، لذلك كنت دائما أبحث عن إثبات أنني كذلك لوالدي.»
«الخفاف» .. رمزية الالتحاق بالمدرسة
ارتبط أول يوم للطفل في المدرسة في الذاكرة الشعبية بـ»الخفاف» أو «السفنج» حيث تعدّه الأسرة تيمنا بدخول مدرسي سهل وسلس، يحقق فيها التلميذ نتائج جيدة، وفي هذا الصدد قال محمد إسماعيل لـ»الشعب»: «ارتبط أول يوم للطفل في المدرسة بكثير من العادات التي فيها الكثير من الرمزية، حيث تحضر الأم «الخفاف» الذي يضاف له الزبيب وتوزّعه على الجيران ليصبح الطفل بطل الحي في أول يوم من الدخول المدرسي، فالكثير من الأولياء يأخذون له صورة تذكارية بمئزره والبطاقة التي يحلم بتعليقها كل طفل.»
أما عن اختيار «الخفاف بالزبيب» ليكون فألا حسنا في أول يوم من الدراسة، أكد محمد أن «الخفاف» يحمل رمزية خفّة العقل وسرعة الفهم وقدرة الاستيعاب ما يساعد الطفل على النجاح، وهو مرتبط بما يتضمنه الموروث الشعبي الجزائري من عادات تعتبر جالبة للحظ السعيد، لذلك لم يشذ هذا التقليد عن القاعدة.»
فيما قالت جويدة طيباوي ان العائلة الجزائرية غالبا ما تحافظ على تلك العادات التي ترى فيها التفاؤل والحظ، لذلك اختارت «الخفاف» أو «المشوشة» وفي مناطق أخرى «البراج» و»البغرير» و»الرفيس» لتكون الاطباق التي ستتوزع حلاوتها على أيام أول سنة دراسية للطفل.
ولاحظت ان الكثير من هذه العادات بدأت في الاندثار بسبب النمط المعيشي للعائلة الجزائرية، فاليوم العلاقات الاسرية والاجتماعية لم تعد بنفس القوة والتماسك مقارنة لما كانت عليه في السابق، وهو ما جعل الكثير من المناسبات تفقد روحها وبهجتها.
واعتبرت تلك العادات أنها بمثابة التحضير النفسي للطفل حتى يتقبل دخول مرحلة جديدة في حياته، فإظهار السعادة وتقاسمها مع العائلة الكبيرة والجيران يعطيه ثقة أكبر في ان المدرسة مكان سيكون له علامة فارقة في مستقبله، لذلك نجد ان الأهمية التي كانت تعطى لأول يوم فيها، ساهم في تعاقب أجيال ذات مستوى عال ما زال رغم كبر سنه يحترم المدرسة والمعلم.
فيما نلاحظ ان المدرسة والمعلم بصفة خاصة في السنوات الأخيرة فقدا بعضا من مكانتهما الاجتماعية بسبب حالة «التميع» التي يعيشها المجتمع، حيث فقدت الكثير من المعايير الأخلاقية قيمتها وثقلها ما انعكس سلبا على المدرسة الجزائرية.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024