مدينة الألف قبّـة وقُبّة

«الظّاهــرة» قلـب التجــارة في الصحـراء

 «إنني بعيدة عن العالم والحضارة ومهازلها المنافقة! إنني وحدي في دار الإسلام في الصحراء حرة وفي أحوال صحية جيدة.. الوادي، البلد الذي لا تُعدّ قبابه، هي البلدة الوحيدة التي أقبل العيش فيها للأبد، دائما، أريد شراء أرض صالحة للزراعة وأجعل فيها جِنانا وبئرا ونخلا».
بهذه الكلمات وصفت الرحالة والصحافية السويسرية إيزابيل إبرهارت، منطقة وادي سوف، التي عاشت وتوفّيت فيها في أكتوبر سنة 1904 عن عمر يناهز 27 عاما، فما الذي جعل هذه الشابة تفتتن بهذه البلدة النائمة بين كثبان الرمال في قلب صحراء الجزائر؟
قباب لا تُعد ولا تحصى
يعرف الجزائريون، وكل من زار وادي سوف سائحا، اسما آخر اشتهرت به المنطقة هو مدينة الألف قبّة وقبّة، بسبب القباب الكثيرة التي تعلوا سُقُف المنازل والمحلات والأسواق المغطاة، فضلا عن المساجد، وهي هندسة يقول أهلها إنها تحمي بيوتهم، بحيث تمنع الرمال من التراكم فوقها خلال العواصف فلا تنهار عليهم، فشكل القبة لا يسمح لأية حبة رمال بالمكوث على ظهرها ويجعلها تتدحرج نحو الأرض.
قديما كانت سوف تسمى «الظّاهرة»، وقال القدماء، وفق تعبير كتاب «الصروف في تاريخ الصحراء وسوف»، إنها سميت كذلك «لأنها أول قطعة من الأرض ظهرت حين انحصر عنها ماء الطوفان.. ثم صارت تسمى أرض سوف، قيل لأنها كانت محلا لأهل الصوفة لأن كل عابد من أهل التصوف ينقطع للعبادة فيها».
ويسترسل «وقيل سميت بذلك لأن أهلها الأولون كانوا يلبسون الصوف من أغنامهم لعدم وجود غيره من المنسوجات، وقيل كان بها رجل عليم أي صاحب حكمة يسمى «ذا السوف «فسميت هذه الأرض به، والسوف في اللغة معناه العلم أو الحكمة».
مدينة الـ «ذهب وملح»
جمعت رمال وادي سوف معدنين نفيسين لا يمكن للبشر أن يستغنوا عنهما، هما: الذهب والملح، حيث يذكر كتاب «الصروف في تاريخ الصحراء وسوف» أن الذهب كان موجودا على ظهر سوف «كان الأولون يجدون على وجه أرض سوف قطع الذهب الصغيرة فيبيعونها كالجريد ولا يدرون من أين تولّدت تلك القطع، هل من ترابها أو أَطَارتْها الرياح مع التراب من أرض أخرى كأرض السودان».
وحسب المصدر السابق فإن «الملح كان موجودا في شط التاجر (منطقة في سوف).. والملح الذي بها من أحسن الأنواع وهو المسمى الأندراني والداراني، وفي الناحية القبلية أي الجنوبية، نوع آخر يسمى ملح العجين وفي ناحيته الغربية نوع أبيض بسواد يسمّى المرّ».
إبرهارت وسوف
إيزابيل إبرهارت صحافية ورحّالة ولدت في جنيف سنة 1877، جاءت إلى وادي سوف لتغطية حياة الجزائريين تحت سلطة الاستعمار الفرنسي، فعشقت المنطقة وكتبت مؤلفات عنها أشهرها: Notes de route واليوميات والقصص الجزائرية وفي بلاد الرمال، حتى إنها بعد إقامتها في سوف اشترت حصانا وسمّته سوف.
ومما كتبته إبرهارت «أنا هنا منذ زمن طويل، والبلد أخّاذ جدّا، وبسيط جدا، بتلك الرتابة المخيفة التي تعطيني الشعور بأنّ تعلقي به ليس ضرْبًا من الخيال العابر، أو الأخلاقي.. لا بكل تأكيد ليس هناك مكان آخر من الأرض سحرني وفتنني مثل الوحْشة المتحركة في المحيط الكبير الجاف».
وفي موضع آخر تقول: «هكذا أول نظرة لي على الوادي، كانت اكتشافا تاما ونهائيا لهذا البلد الفظّ، والبهيّ الذي هو سوف لجماله الغريب، ولحزنه الكبير أيضا.. كان ذلك في أوت عام 1899، ذات أمسية دافئة هادئة، وأنا آتية من «تقرت» بعد قيلولة تحت ظلال حدائق واحة أورماس».
ويعرف الجزائريون سوف بأنها قلب التجارة في الصحراء، يُدرب أهلها أبناءهم على التجارة منذ الصغر، بل واستطاع أهلها أن يحوّلوا رمالها إلى جنات تخرج منها كثير من الخضروات والفواكه، بعدما كانت أرضا لا تنتج إلا تمرا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024