سواحل «فاروزية»

سر لم يكتشفه الزائر للسواحل والشواطئ الجزائرية بعد، إنه سر يخفى على الكثير من محبي الطبيعة العذراء وهواة الصيد في البحر والغابات ممن لم يكتشفوا ولاية الشلف بعد، بالرغم من طول الساحل الشلفي، وبالرغم من الجمال الأخاذ لشواطئها ابتداء من بني حواء شرقا بالحدود مع تيبازة إلى الظهرة بالحدود مع مستغانم غربا، جمال تتمازج فيه زرقة البحر باخضرار الغابات وفسيفساء التاريخ، تتنوع فيه شواطئ الرمال بالشواطئ الحصوية الصغيرة والصخور الكلسية، وحكايات الآثار الفينيقية والرومانية بالعثمانية والأندلسية.
على طول الطريق الوطني رقم 11 الممتد من الجزائر العاصمة إلى وهران، الطريق الساحلي الذي يعانق زرقة البحر وخضرة الغابات، يتيح لك الفرصة للتمتع بشواطئ بلديات بني حواء، وادي غوسين، تنس، سيدي عبد الرحمن، المرسى والظهرة وهي البلديات الساحلية الشلفية، بعضها يتميز بأنه سياحي وبعضها الآخر لا يزال غير معروف، وكلها بلديات تتسم بالعذرية الطبيعية عدا مدينة تنس فهي تحمل مزيجا من السياحة الطبيعية الشاطئية والجبلية والسياحة الثقافية والتاريخية وسياحة الترفيه والصيد.

تنس.. مدينة يرتبط تاريخها بالبحر
تبعد مدينة تنس 53 كلم من عاصمة الولاية الشلف، مدينة ساحلية تاريخية يرتبط اسمها بالبحر والتاريخ معا، فلا تزال الأسوار والمقابر والقصور والحمامات والآثار شاهدة على أن الفينيقيين والرومان والأندلسيين والأتراك القادمين من وراء البحر كلهم تركوا بصمات واضحة في هذه المدينة من خلال القصبة العتيقة والمنارة والميناء وبقايا معالم أثرية مختلفة تضاف إلى جمال الطبيعة الإلهي والمغارات التي استغلها الإنسان القديم في عيشه، كلها معالم سياحية تراثية تنتظر الاهتمام بها في غير فترة الصيف والسياحة الشواطئية.
الأسوار والأضرحة في تنس تشهد بدورها عن العصر الروماني والفينيقي مثل الآثار الرومانية لقلعة أولاد عبد الله التي صنفت كتراث وطني عام 1905، حيث أن تشييد المدينة التي كانت تسمى كارتينة يعود إلى القرن الثاني عشر قبل الميلاد حيث كانت منطقة تجارية فينيقية، وأصبح اسمها تنس منذ عصر الممالك البربرية النوميدية حيث كانت في الحدود الشرقية فوضعت تحت قيادة سيفاكس في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، ثم شهدت سيطرة القرطاجيين تحت حكم ماسينيسا بين 203 و 193 قبل الميلاد، وفي العام 33 ميلادية أصبحت مستوطنة رومانية وأعطيت اسم كارتن   حيث جعلها أغسطس مستعمرة للتدريب العسكري لجنود الفيلق الروماني الثاني وتم العثور في نقوش الفسيفساء الرومانية على كايوس فلسينوس أبتاتوس وهو جندي من الفيلق.
وتم الفتح الإسلامي للمنطقة بين 675 و682 من قبل القائد العسكري أبو المهاجر دينار وخضعت لدول مختلفة كالرستميين والإدريسيين والمرينيين والمرابطين والموحدين والزيانيين، ثم بدأ البحريون من أهل الأندلس في بناء المدينة الجديدة (مدينة تنس الحضارية) ومن مؤسسيها الكركني وأبو عائشة والصقر وصهيب وغيرهم إلى أن احتلها الإسبان في 1505م ليتم طردهم من قبل خير الدين بربروس في 1516، لتشهد بذلك مدينة تنس مرور العديد من الدول والحضارات.
من القصبات المعروفة على مستوى الوطن توجد قصبة تنس التي بناها الأندلسيون بعدما هجروا ورحلوا من شبه الجزيرة الأيبيرية واستقروا بالعديد من مدن الساحل الجزائري، ومسجد سيدي معيزة العتيق هو المسجد المصنف ضمن المواقع التاريخية العالمية ويعود تأسيسه إلى عرب الأندلس في القرن العاشر، وقد سجل المسجد معلما تاريخيا في 9 ماي سنة 1905 وهو يعكس فن الأندلسيين وذوقهم العالي، إضافة إلى مصلى لالة عزيزة وكذلك الحمام القديم.
وبقرب تمثال العذراء (تنس)، يوجد كذلك باب البحر ويتمثل في أسوار يرجع تاريخها إلى القرون الوسطى، ومنار تنس من أشهر المعالم التي تميز المدينة، وقد كان محل زيارة لشخصيات بارزة في العالم السياسي، أما دار الباي المنصف فهو بلاط يرجع إلى عهد الإمبراطورية العثمانية وهو ملجأ لباي تونس حين منفاه، ولا ننسى منارة سيدي مروان في طريقنا إلى بني حواء ناحية الشرق أسفل جبل سيدي مروان على رأس تنس.

قبة «ماما بينات» ومنار جزيرة «كولمبي»
بني حواء الساحلية الجميلة هي مدينة تقع في الشرق من الساحل الشلفي، توجد بها قبة «ماما بينات» راهبة فرنسية نجت من غرق سفينة «بومال» في نواحي ساحل بني حواء في القرن التاسع، راهبة أبهرت الناس بإنسانيتها وجلبت باهتمامها الخاص بالناس وبشجاعتها تقديرهم لها واعترافهم، حيث شيدوا لتخليدها هذه القبة الموجودة عند مخرج مدينة بني حواء.
أما غرب مدينة تنس فيتألق منار جزيرة «كولمبي» الموجود في مدينة المرسى قرب جزيرة كولمبي التي تتجمع فيها الطيور البحرية من شتى الأصناف، وقد كانت هذه الجزيرة المكان المفضل للفريق الفرنسي للغوص.

تجول، استرخاء وصيد..
جنوب الشريط الساحلي للولاية يوجد شريط غابي على جبال الظهرة التي تعلو 1200م فوق سطح الأرض، يتوفر على غطاء نباتي يعزز القدرات السياحية كغابة المرسى التي قدرت بـ 2000 هكتار وغابة القلتة بـ 5000 هكتار وغابة بيسا محمية طبيعية لأشجار الفلين والصنوبر الحلبي قدرت مساحتها بـ 1437 هكتار، غابات غنية بالحيوانات كالأرنب البري، الخنزير، الحجل والنسور، وهي مناطق صيد للهواة القادمين من الولاية وما جاورها، لتكون غابات الظهرة والمرسى والقلتة واحدة من إمكانيات السياحة الصيدية.
ومن أهم المواقع الغابية على الشواطئ التي تؤلف منظرا باهرا ««بوشغال» و»تراغنية» و»دومية»، خصوصا بمواقع المرجان الممتد على طول 70 كلم وهو الأوسع بين الشواطئ، يحده من الجهة الشرقية «واد المالح» و»واد تاغزولت»، ومن الجهة الغربية «القلتة» بداية من شاطئ «الدشرية» ببلدية «الظهرة».

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024