أغنية «تكشبيلة توليولة»

لحن مأساة الموريسكيين في طريق منفاهم الاختياري

من بين أهم الأغاني التي نتناقلها في مجتمعاتنا المغاربية دون فهم عميق لمعانيها، أو الأحداث التي تحاول التعبير عنها، وساعدت على نقل جزء من الصورة المفقودة حول مأساة مر بها مسلمي الاندلس، أغنية «تكشبيلة توليولة» التي رددتها أجيال متعاقبة في مدن الغرب الجزائري، كما أداها فنانون، واستخدمها الكثير لإحياء اعراس والرقص على أنغامها دون أن نفهم معانيها الحقيقية، وأننا نرقص على آهات وأحزان أناس مروا وتركوها خلفهم.
في الحقيقة كلمات أغنية «تكشبيلة توليولة»، تعبر عن قصة حزينة جدا للأندلسيين الذين هجروا وأبعدوا عن وطنهم وفقدوه وفقدوا كل شيء معه حتى رغبتهم في الحياة، وهم يتوقون للعودة إليه، وتروي الأغنية مأساتهم خلال طريقهم من بيوتهم إلى منفاهم الاختياري لبلاد المغرب العربي، وما تعرضوا له من ذل ومهانة، وتقول كلماتها:
« تِكشبِيلة تِوليولة … ما قتلوني ما حياوني … داك الكاس اللي عطاوني … الحرامي ما يموتشي … جات خبارو في الكوتشي... «، مع ترديد (تِكشبِيلة تِوليولة) بعد كل مقطعين تقريبا.
وقد أعطانا الكثير من المختصين تفسيرات لمعاني كلماتها، وهناك بعض الاختلافات بينهم، لكن المعنى العام والقصة واحدة، حيث تعبر عن مأساة الموريسكيين وما عانوه في طريق هجرتهم، ومعاني ألفاظها:
«تِكشبِيلة» تعني طريق إشبيلية، و»توليولها» معناها العام الرجوع أو العودة، وهناك خلاف حول المعني بهذه العودة، ويرى البعض أن المعني بالعودة إلى اشبيليا هم النصارى المسيحين، الذين رغم غيابهم الطويل عادوا إليها، ويقول البعض وهو الأقرب للمعنى المرجح أن الأندلسيون هم من يعدون ويمنون أنفسهم وبعضهم بالعودة إلى اشبيليا مستقبلا، «طريق إشبيلية ستعودون لها»، تعبيرا عن حنينهم للعودة إلى أرضهم، ويقول آخرون أن المتحدث امرأة وتقول سأعود إلى اشبليا، أما عبارة (ما قتلوني ما حياوني)، فهي تعبير مجازي على هول وشدة ما لقاه الموريسكيين من التعذيب من طرف الإسبان، جعلهم لا يعدون أنفسهم لا من الأحياء ولا من الأموات، ولا يشتهون الحياة أصلا، وتواصل الأغنية «ذاك الكاس اللي عطاوني» ويقول آخرون «غير الكاس اللي عطاوني» أثناء التهجير الإجباري كان المورسكيون يتعرضون لنوع من أنواع التعذيب، وهو إجبارهم على تناول الخمر كشرط قبل السماح لهم بركوب البحر للضفة الأخرى، وهذا إمعانا في احتقارهم وإذلالهم، وهذا جعلهم ليسوا أمواتا ولا أحياء من شدة العذاب والحسرة والذل، وعبارة «الحرامي ما يموتشي» فهي حسب الشارحين ترمز للإسبان الذين عادوا بعد ثمانية قرون للأندلس للانتقام، أما عبارة «جات أخبارو في الكوتشي»، فتعني «الكوتشي» هو وسيلة نقل تقليدية في بلاد الأندلس والمغرب، وهي عربة يجرها حصان، كانت قديما ولا تزال، والعبارة تعني أن أخبار الأندلس السيئة ودخول النصارى إليها، وما فعلوه بها وبأهلها وصلت الدول المغاربية قبل وصول الموريسكيين أنفسهم.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024