«قلتة أفيلال» بتمنراست

محميّة طبيعية ترسم نبض الحياة وسط الرّمال

أهم مجرى مائي في كتلة أتاكور ينبع واديها من جبال تيزويا

وسط الصحراء القاحلة والسكون الرهيب تختبئ قطعة من الجنة تنبض بالحياة يملأها النشاط، فلا يمكن تصديق وجود تحفة حية تتدفق مياهها العذبة بين أحضان طبيعة عذراء مازالت تنتظر الانفتاح والتقدم من خلال مشاريع سياحية ضخمة تليق بمقامها وتحافظ على ديمومتها، خصوصا أن معظم من يفتنون بها من الأجانب، في حين أن نسبة كبيرة من أهل البلد لا يعرفونها، إنها المحمية المائية «قلتة أفيلال» بصحرائنا الساحرة.
بالبحث على شبكة الإنترنت عن «قلتة أفيلال» باللغة العربية تكون النتائج صادمة، لأنها قليلة جدا بل تكاد تكون منعدمة، ماعدا صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي تعرض بعض الصور، أما باللغتين الفرنسية والإنجليزية فتظهر بعض النتائج لمقالات أغلبها من مصادر أجنبية ولكنها لم ترق لإيفاء المنطقة حقها بالوصف والنقل، ولا يخص هذا الإجحاف هذه القلتة فقط بل يطال جنوبنا الكبير بما فيها منطقة الأهقار وقمة أسكرام الآسرة وغيرها من الكنوز المخفية في قلب الصحراء الجزائرية.
تتشكل القلات في شكل أحواض وشلالات صغيرة تتدفق فيها المياه باستمرار في بيئة محيطة بالصحراء من كل الجوانب،» قلتة أفيلال» هي تسمية مركبة أطلقت على منطقة رطبة في الصحراء الجزائرية الكبرى، قلتة تعني حوض ماء وأفيلال لفظ أمازيغي يعني «القُلة» أي الجرة وهو الآنية المصنوعة عادة من الفخار أو الخزف يوضع فيها الماء ونحوه.
وسط منطقة قاحلة تتوزع أسطح مائية صافية لتظهر الوجه الآخر للعيش وسط الصحاري القاسية، أين لا يقدر الماء بثمن، وله تأثير مباشر على مجرى حياة مختلف الكائنات الحية بما فيها العنصر البشري.
وأفيلال المقصود هو أهم مجرى مائي في كتلة أتاكور، وهي هضبة بركانية بولاية تمنراست التي ترتفع إلى 1380 متر على سطح البحر وتبعد بحوالي 1981 كم جنوب الجزائر العاصمة، تسيل مياهه على مدار فصول السنة، وينبع وادي أفيلال من جبال تيزويا قرب منطقة أسكرم ومنه ما يرسو في القلتات وتبعا له جاءت تسمية «قلتة أفيلال».

ثروة نباتية وحيوانية متنوعة
توفر هذه المنطقة الرطبة نظاما هيدرولوجيا فعالا يدعم التنوع البيولوجي حيث تتحلق حوله ثروة نباتية وحيوانية متنوعة ومفيدة، إذ تُستغل النباتات والأعشاب في الصناعات التقليدية وفي مساهمات علاجية فعالة باستعمالها كمشروبات أو استخلاص فوائدها واستخراج الزيوت منها والتي تشكل موردا هاما للسكان، فضلا على أنها تعد مصادر رعوية هامة.
فالحيوانات البرية التي يدفعها الجفاف إلى الإقبال على المنطقة تتنوع بين الطيور، والزواحف من أفاع وسحالي مثل حرباء الصحراء، والعقارب، والعناكب السوداء، إضافة إلى الجربوع (اليربوع) الشهير جدا في الصحراء يمكن رؤيته في قمم الجبال الصخرية البركانية عند الغروب، كما يعيش بالمنطقة عدد كبير من الأرانب البرية والغزلان الشاردة التي قلت أعدادها بشكل ملفت بسبب الصيد العشوائي وغير القانوني، وهناك بعض أنواع الأسماك في البرك المائية مثل سمك البلط، وسمك القط للمياه العذبة.
ويلجأ الطوارق الرحل بولاية تمنراست إلى هذه القلات للحصول على الماء ونقله إلى منازلهم أو خيامهم لاستخدامه في احتياجاتهم اليومية، كما يستغلونها في سقي قطعانهم من الإبل والماعز.

مقصد سياحي بامتياز
وتعد «قلتة أفيلال» موقعا سياحيا على بعد 10 كم من ممر أسكرم الشهير، يقصده المحليون والأجانب ليستمتعوا بمناظره الخلابة ويبيتون في العراء تحت بريق النجوم وقرب دفئ النار المشتعلة في تجربة للعودة إلى الحياة البدائية البسيطة في البرية.
كما تُجرى بالمنطقة عدة دراسات أكاديمية وبحوث حول التنوع البيئي، تابعة لمراكز بحث وجامعات محلية ودولية، لما لهذا الحيز من ميزات نادرة لا تتوفر عليها باقي مناطق العالم مما خوله ليصنف في قائمة المحميات «رامسار» في 2010 بمساحة تزيد عن 20 هكتار.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024