«شايب عاشوراء» و»سبيبا» عادات متجذّرة
يتميز الاحتفال بيوم عاشوراء عند الجزائريين بطقوس احتفالية ضاربة في التاريخ، فهو يوم يجمع عبادة الصوم بالفرح والتوسعة على الأطفال وألعاب الفرجة في الشوارع التي توارثها الجزائريون أبا عن جدّ، حيث يحيون فيه تقاليد خاصة بجنوب البلاد الذي يتميز باحتفاليات ضاربة في التاريخ على غرار «شايب عاشوراء» و»بيانو» و»سبيبا» الخ.
في بسكرة وورقلة ووادي سوف ووادي ريغ وجنوب الأوراس، وحتى في جنوب تونس وتحديداً بمنطقة توزر، فهي تسمى شايب عاشوراء، أما في المغرب الأقصى فحمل عدّة أسماء مثلا «تامعشورت» و»بابا عاشور»، وفي إفريقيا، يُطلق على شايب عاشوراء تسمية «تامخاريت» مثلما هو الحال في دولة السينغال.
ويرجع أصلاء الأوراس وسكان المغرب الأقصى بدايات الاحتفال بعاشوراء إلى عصور ما قبل التاريخ، ويشرح باحثون أنّ طقس شايب عاشوراء يعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد ويستمد أصوله من قصة الملك الأمازيغي شيشنق الأول وانتصاره على الفرعون بسونس الثاني واعتلائه عرش مصر، وهو عبارة عن مهرجان تنكري يدوم أياما.
أما سبيبا فهو من الطقوس المرتبط بأول الشهور الهجرية فهو لقاء يجمع بين حيين عريقين حرب بلا دماء بمدينة جانت وهما حيا زلواز والميهان في 10 من محرم من كل عام، فسبيبا يعتبر الهوية الثقافية لكيل جانت وله روايتان، الأولى أن طقس سبيبا إحتفال بنصر النبي موسى عليه السلام على فرعون في يوم عاشوراء، وفي نفس اليوم من كل عام يخرج أهل جانت لتجسيد هذه الواقعة في لوحة فنية يشكلها طرفان هما كيل الميهان وكيل زلواز. أما الرواية الثانية كما يجزم البعض هي أن سبيبا يرجع إلى ما ىقبل التاريخ وهذا بسبب أنهم وجدوا رسم في اجابارن تشبه قبعة سبيبا.
خلال سبيبا يتنافس راقصون ذكور ومغنيات إناث من أجل تمثيل جماعاتهم في إطار مسابقة تدوم تسعة أيام، وما إن يتمّ اختيار الراقصين الذكور، يقفون ضمن حلقة ويقعقعون بسيوفهم، في حين تقوم النساء بتأدية أغنيات تقليدية على إيقاع الدف، ويصدّ هذا التقليد بشكل رمزي أعمال العنف المحتملة التي قد تنشأ بين الجماعتين، وذلك من خلال نقلها إلى مجال المنافسة الفنية.
وقد تمّ إدراج عيد سبيبا والاحتفالات الخاصة به في واحة جانت في قائمة اليونسكو التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي سنة 2014.
وعاشوراء هي عيد بالنسبة لسكان الجنوب، فبداية السنة الهجرية ـ أول محرم - هي مفصل تاريخي لبداية الإسلام، حيث بدأ ينتشر ويقوى ابتداء من التحوّل من مكة إلى المدينة، وفي العاشر من شهر محرم وصل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة، وكان هناك احتفال باستقباله وصام يوم العاشر وقال فيما معناه «لو عشت إلى العام القادم لأصومنّ التاسع والعاشر»، وقيل له أن بني اسرائيل يصومونه لأن سيدنا موسى عليه السلام نجاه الله وذكرت في كثير من المناسبات منها أن سيدنا يونس عليه السلام أخرجه الله من بطن الحوت.
«ارفع الأوكاسْ يا ربي عن هذي الناس»
في ولاية الوادي ومنطقة وادي ريغ ينطلق الأطفال في يوم عاشوراء في مقدمة الموكب الذي يخرج في شوارع القرى والمدن حاملين الشموع والطبول مرددين أهازيجاً شعبية بلحنٍ حزين .. فيما كانت النساء قديما حينما يحل الليل يخرجن وهن يحملن الأوكاس (جذوع النخل) مزيّنة بقطع قماشية سوداء معطرة، التي تأخذ من العائلات التي فقدت أبنائها ظلماً وهن يرددن أنشودة عاشورائية تتضمن الدعاء برفع المظالم والأحزان، وتقول الأهزوجة: (ارفع الأوكاسْ يا ربي عن هذي الناس حلقة راسْ بجاه ها الراسْ ارفع الأوكاس)، بالإضافة إلى إقامة ولائم للعشاء وتوزيع اللحوم والأطعمة على الفقراء ورواد المساجد..
وعلى مستوى ولاية تمنراست وقبل عاشوراء بيوم وهو اليوم التاسع تتسارع الفتيات لتحضير وسائل الزينة وصنع «الدباليز» أي الأساور من الطين والجلد المدبوغ ومن «البرومي» أي «القش»، وسلاسل من «البوعبوع» وهي الأصداف والقواقع التي تجلب من البساتين أو جداول الماء، أما الصبيان فيصنعون «لمكاحل» وهي بندقيات من جريد وسعف النخيل، فيما يحضر الكبار الطعام فالجميع يحتفل بهذا اليوم المبارك، ويسير موكب البنات نحو «الجنة» أي واحات النخيل وهم يرددن هذه الكلمات «عاشور يا عاشور صدقة عليك لو لقيتني مرا، ندير ليك الخوص والدباليــز وكل بسالـة».
لثلاثة أيام «تمنطيط» تحتفي بـ»بيانو»
وفي يوم التاسع من شهر الله المحرم من كل عام، ينطلق الأطفال في كل قصور توات جماعات وفرادى للبحث عن «بيانو» في كل بيت من بيوت القصر الطيني، ويبدأ يوم «بيانو» من بعد صلاة الصبح، حيث يجوب الأطفال الأزقة الضيقة مرددين عبارات «بيانو الشحمة والكديده.. أراهم بانو جنود المعرفه»، ولا تنتهي تظاهرة «بيانو» وعاشوراء عند هذا الحد بل يلتقي في نفس يوم «بيانو» الصغار والكبار لحضور رقصة صارت المعروفة في قصر تمنطيط، حيث يجتمعون ليلا في قصبة «تيفاغي» حاملين العصي وأعمدة الحديد ليبدأوا احتفالاتهم المخلدة لتظاهرة عاشوراء والتي تستمر لثلاثة أيام كاملة، ثم صباحا في اليوم الموالي تقام الفاتحة الكبيرة في الزاوية «الطيبية».
لعاشوراء التي تلفظ محليا «عاشور» نكهتها وطقوسها بالمنطقة عموما، إذ تجد كل بيوت السكان مفتوحة لاستقبال الضيوف الذين يأتون دون دعوات مسبقة، حيث تتزين البيوت الأدرارية من أجل استقبال المناسبة منذ مطلع السنة الهجرية، بإعداد الأطباق التقليدية الشعبية، أهمها ما يسمى محليا بيانو، وتشهد الاحتفالات رقصات فلكورية لفرق البارود القادمة من بودة ومناطق توات بأولاد الحاج بزاوية كنتة تسمى رقصة «يشوو»، وتعني رجل الليف و تحرص النساء لمدة أسبوع على تحضير الأطباق التقليدية التي تقدم للضيوف، أهمها الكسكسي والقلة التي يجتمع حولها الناس، على مدار يومين.
هذا الاحتفال الديني الذي يشجع على تبادل الزيارات بين الأقارب والجيران في جو من الود والكرم تجاه المحتاجين والأيتام جاء استثنائي كما السنة الماضية، اذ طغت عليه تدابير الوقاية لاحتواء وباء فيروس كورونا لا سيما إجبارية ارتداء الكمامات واحترام التباعد الاجتماعي.
(المصدر: جنوب. كم بتصرف)