تحويسة  DZ

تينهينان.. ملكة أمازيغية حكمت ثلث القارة الأفريقية

في عمق صحراء الجزائر، خلال القرن الخامس الميلادي، هنا وفي هذا الوقت جاءت امرأة فارّة من زواج أرغمها عليه والدها، وما كان أحد من الناس يدري أن هذه الفارّة ستصبح ذات شأن عظيم، فبعد سنوات قليلة، ستحكم هذه المرأة مملكة مترامية الأطراف، من صحراء ليبيا إلى التشاد، ومن الجزائر إلى مالي، ومن النيجر إلى موريتانيا، وهو ما يعادل مساحة ثلث القارة الأفريقية، إنها الملكة الأمازيغية  تينهينان.
عُرفت تينهينان عند المؤرخين بلقب «أم الطوارق»، وتتفق الروايات التاريخية، وفق ما سنسوقه، على أن تينهينان، والتي يعني اسمها «ناصبة الخيام»، تعرّضت لمضايقات من أسرتها الحاكمة في تافيلالت بالمغرب، إذ أُجبرت على الزواج من أمير أفريقي، فرفضت ثم فرّت رفقة حاشيتها نحو الصحراء.
ظلت تينهينان ومن معهما، يسيرون في الصحراء الشاسعة أياما وليالٍ، فنفذ منهم الزاد والماء حتى كادوا يهلكون، إلا أن الخادمة «تاكامت» تفطّنت إلى أسراب النمل وهي تحمل حبات الشعير، فعرفت تينهينان أن الماء لن يكون بعيدا، فاقتفوا مسار النمل حتى وصلوا إلى ما سيُعرف فيما بعد باسم منطقة «الأهقار»، وهناك وجدوا الماء.
وبعد مسير طويل وجدوا ينابيع ماء تصب في برك كبيرة، يُطلق عليها اسم ترڨة، ومنها جاء اسم التوارڨ»، أي الطوارق.
عُرفت تينهينان بالحكمة وسداد الرأي، ما أهّلها إلى أن تسيّر علاقاتها مع المحيط الجديد الذي انتقلت إليه، ومنها تعلّم المقيمون في «الأهقار» أساليب تخزين الطعام والاستعداد الدائم لمواجهة العدو، وقادت تينهينان حروبا ضد القبائل التي كانت طامعة في مملكتها، فطوَّعتها جميعا، وكان رجال مملكتها يطيعون أوامرها.
تزوجت تينهينان وأنجبت أولادا وبنات أشهرهم «أهقار»، الذي أُطلق اسمه على جبال «الهقار» في منطقة تمنراست كما برعت هذه الملكة الأمازيغية في التجارة، وأقامت علاقات مع قبائل جنوب الصحراء، ما ضمن لها ولمملكتها الحياة.
لم يُكتشف موقع دفن الملكة تينهينان إلا في سنة 1925، من طرف بعثة فرنسية أمريكية مشتركة في «أباليسا» بالهقار، جنوب الجزائر.
ويرقد الهيكل العظمي لتينهينان، منذ أكثر من نصف قرن، داخل صندوق زجاجي وتظهر محاطة بحليها الذهبية والفضية ولباسها الجلدي في متحف الباردو بالجزائر العاصمة، بعد نقلها من ضريح «أباليسا» بالهقار.
تركت تينهينان خصوصية واضحة في مجتمع الطوارق، وهذا ما يؤكده المؤرخ الشهير، ابن خلدون، حين يتحدث عن الطوارق ويصفهم بأنهم «أبناء تيسكي»، ويعني أبناء المرأة العرجاء، وهذا يتطابق مع ما توصلت إليه أبحاث الحفريات، التي أكّدت أن تينهينان كانت عرجاء، ففي إحدى المعارك، أصيبت تينهينان بجرح في رجلها، ما جعلها تعرج في مشيتها، ثم تحوّل الجرح إلى «غرغرينا»، ما تسبب في وفاة هذه الملكة العظيمة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024