بأعالي جرجرة الشامخة

«بني يني» .. قرية درعها «فطة» لمواجة الانسلاخ من التقاليد

عندما نتكلم عن تراث أي منطقة أو بلد ما، فإنّ أوّل ما يتبادر إلى أذهاننا هو الصناعات التقليدية، والتي تعتبر جزءاً من الهوية والشخصية الوطنية باعتبارها مقوّم للبناء الحضاري في أي بلــد.
الجزائر رائدة في هذا المجال بفضل أنامل حرفييها المبدعون، فلطالما أثبتوا وجودهم داخل وخارج الديار لتمثيل هذا النوع من التراث في شتى أصقاع العالم ولطالمـا كانت هذه الحرف لقمة عيش الفقير قبل الغني.
ومن بين الصناعات التقليدية التي عُرفت بها الجزائر صناعة الحلي بشكل عام والفضية بشكل خاص سيما في منطقة القبائل، إذ نخصّ في هذا المقام منطقة ‘’بني يني’’ على وجه التحديد، تلك القرية الصغيرة التي أبدعت في هذا المجال بكلّ ما صخر لها من وسائل مادية وبشرية، وبهذا أصبحت هذه القرية قطباً سياحياً هاماً يعوّل عليه ومجلبة لكلّ محب لهذه الصناعات التقليدية، إذ نذكر هنا على وجه الخصوص النساء اللاتي تتزين بكلّ أنواع الحلي لتظهر في أبهى حلة تبرز جمالها الفتان بطابع جزائري محض يعكس أصالة وأناقة المرأة الجزائرية بصفة عامة والمرأة القبائلية بصفة خاصة، فهكذا يكون الابداع وهكذا هي الجزائر بحضارتها الضاربة بجذورها في عمق تاريخها وهويتها التي يفخر بها كل غيور على هذا الوطن الحبيب.
وبالرغم من هوائها النقي، إلا قرية «بني يني» تتنفس فضة كما يقول أهلها والتي تسمى عندهم بـ «الفطة»، فهي المكان الذي تشبث بصناعة حلي الفضة المرتبطة بزينة المرأة الأمازيغية منذ عدة قرون، حتى إنه لا مكان لمعدن الذهب عند أمازيغ الجزائر.
ونافست حلي القرية الفضية أسعار وأناقة الحلي المصنوعة من الذهب، ولا تكاد تجد فتاة أو امرأة قبائلية إلا وحلي الفضة يكسوها من أذنيها إلى رجليها، بمناسبة أو بدونها.
كما تحافظ القرية القبائلية على حرفة صناعة حلي الفضة، سواء من خلال الورشات أو المعارض السنوية التي تقيمها، أما عن أسباب ارتفاع أسعارها فيعود إلى أن صناعتها تكون يدوية في الغالب، خصوصاً مع تلك الرموز الأمازيغية والإسلامية التي تتطلب تركيزا كبيرا ووقتاً أكبر.
ولصائغ الفضة اسم خاص باللهجة القبائلية الأمازيغية ويسمى «أحدّاد الفطة»، ويعتبرون هذا المعدن في مورثهم «رمزاً للتعايش الثقافي والحضاري»، فيما توحي مختلف رموزها على شخصية المرأة الأمازيغية في الحب والجمال والزهد وحتى عدم التبرج.
ومؤخراً، عادت قرية «بني يني» إلى الواجهة السياحية بالجزائر، بعد إن تم إعادة افتتاح فندق «السيوار» بحلة جديدة بعد سنوات من إغلاقه، مستفيدا من تراث المنطقة وموقعها الاستراتيجي الذي جعل منها «جنة سياحية على أرض الجزائر»، كما يسميها أهل هذا البلد العربي. تلقب منذ سنوات بـ»عاصمة الفضة الجزائرية»، كونها تحتضن سنوياً مهرجاناً وطنياً لصناعة حلي الفضة، وهي حرفة أمازيغية قديمة لازال أهل «بني يني» محافظين عليها، بل حصنها الذي أبى اندثار حرفة ورثها أهلها أباً عن جد منذ مئات السنين.


 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024