في غياب سياحة داخلية

معسكر.. تاريخ وشواهد تواجه النّسيان

معسكر: أم الخير - س

«أكواسيرانس»، «الأميلاريا» و»الزمالة» مدن تختزل حضارات مختلفة

ساهمت الحضارات المتتالية على أرض معسكر في صنع تميّزها الثّقافي، وتشييد صرح سياحي خصب يزخر بمؤهّلات متنوّعة، من مواقع تاريخية، أثرية ودينية وجغرافية يضاف لها تاريخ المنطقة العريق ومكارم أهلها المضيافين، والمناظر الطّبيعية الخلاّبة التي تتميّز بها تضاريس إقليم ولاية معسكر التي ترتبط بالسّاحل الغربي للوطن شمالا، من خلال المنطقة الرّطبة المقطع وتصلها جبال سعيدة جنوبا بالمناطق السّهبية.


من ثنايا الماضي تبرز آثار ومعالم ذات قيمة تاريخية وثقافية عظيمة تختزل عبرها حوارا تاريخيا راقيا بين مختلف الأجناس والأديان التي استقرّت في المنطقة، على غرار أطلال المدن الرّومانية «أكواسيرانس» في بوحنيفية، الحصون الرّومانية «الأميلاريا» ببلدية البنيان، المعالم التاريخية لدولة الأمير عبد القادر «الزمالة»، مقر القيادة ودار المحكمة والجوامع الأربعة المشيّدة من طرف الباي عثمان بن محمد الكبير.

 مؤهّلات طّبيعية تنتظر الاستثمار
تزخر ولاية معسكر بمؤهّلات طبيعية للسياحة، بداية من المناطق الرّطبة في شمال المنطقة التي تؤم عددا من الطيور المهاجرة ونباتات متنوعة ومنظر فردوسي خلاّب، إضافة إلى الغطاء الغابي الفسيح على سفوح وقمم جبال سعيدة وبني شقران ومحمية المقطع، والمنابع الحموية التي تشتهر بها المنطقة منذ العهد الروماني، على غرار منابع «أكواسيرانس» في بوحنيفية التي يزاوجها الموروث الثقافي الأصيل والمتنوّع للمنطقة عبر كامل ترابها، والثري بعادات وتقاليد أهل معسكر الكرام وأعلامها السّاطعين في صفحات التاريخ أمثال أبي رأس الناصري، الشيخ محي الدين، محمد بن عبد الله الحسني، مصطفى الرماصي وغيرهم من الكواكب المشعّة التي يهتدى بها ويقتدى بمآثرها وسيرها العطرة.

 «الأميلاريا» والملكة «روبا» في طي النسيان  
الحديث عن واقع السياحة المحلية بولاية معسكر، يجعلنا نقف أمام سراديب الذّاكرة الإنسانية بكل ما تحمله من مقوّمات، كما يجعلنا نبحث عن الأسرار الكامنة في المعرفة التاريخية للمنطقة، أمام الزّخم الكبير من المؤهّلات السياحية الطبيعية والتاريخية، حيث يطرح الموقف مسألة التعريف بهذه المواقع القابلة للتحويل إلى وجهة سياحية بامتياز، وهل حظيت هذه المواقع بنفس الشّهرة والرّواج الذي تكتسيه «الأكواسيرانس» في بوحنيفية.
فنسبة كبيرة من أبناء المنطقة لا يعرفون «المرجة» ولا يعرفون «الأميلاريا» ولا الملكة روبا الثائرة في وجه الاستعمار الروماني، ومن له دراية بهذه المكنونات التاريخية، يكون قد عايش الوسط الاجتماعي المثقّف والدارس للتاريخ، أو فرد من المجتمع تعرّف إليها من باب الفضول من خلال مطويات ورقية تطبعها الدواوين السياحية المحلية.
ولعلّ ذلك يرجع أساسا إلى غياب الإعلام الترويجي الكافي بالمناطق السياحية بمعسكر سواء كانت طبيعية أو تاريخية، عدا تلك المعروفة لدى عامة الناس من آثار تعود لدولة الأمير عبد القادر بالزمالة وبعاصمة الولاية معسكر، والتي توجد في غالب الأحيان مغلقة وموصدة الأبواب أمام الزائرين من خارج الولاية.

 «المرجة».. المنتجع الحلم
تتوفّر ولاية معسكر على مواقع يمكنها أن تكون وجهة مفضّلة للسياح المولعين بالسياحة الجبلية على مدار السنة، وأغلبها مناطق مأهولة بسكان طيبين، لم تحسن السلطات المعنية استغلالها والترويج لها، انطلاقا من شلالات «ماقضة» التي يجذب سحرها المئات من الشباب والعائلات، إلى موقع المرجة ببلدية البنيان، حيث تتواجد أطلال مخيّم أقامته السّلطات الاستعمارية خلال فترة من التاريخ للاستجمام، شاهدة على القيمة السياحية لهذا الموقع المهمل تماما.
ويذكر كبار السن من منطقة البنيان المتاخمة لجبال سعيدة، أنّ المخيم كان يرتاده كبار ضباط عساكر الاستعمار، ومنهم أسماء معروفة كانت تقيم بمخيم المرجة، وهي في الأصل منطقة رطبة ذات غطاء غابي من الأحراش وأشجار الصنوبر، تتجمّع فيها مياه الأمطار والمنابع الطبيعية للجبل، تحيط بها مناظر خلابة وغطاء غابي ساحر، يصل إليها السائح المحلي مشيا على الأقدام في المرتفعات الجبلية على مسافة تقل عن 10 كيلومترات من المسالك المهترئة، ليبلغ غايته.
وقد حظي موقع «المرجة» سنة 2006 بدراسة تقنية لتهيئته، تلتها زيارات المسؤولين الذين توالوا على مسؤولية وتسيير الولاية، تبعتها توجيهات لتأهيل الموقع وإدماجه في المسلك السياحي للولاية سنة 2010، غير أن الاهتمام بـ «المرجة» ظل حبيس الإجراءات والأدراج، وبعض المحاولات الثمينة لجمعيات محلية والديوان المحلي للسياحة بالبنيان، الذي اجتهد في وقت مضى في الترويج للمنتوج السياحي للمنطقة، من خلال برمجة رحلات ترفيهية لموقع المرجة في إطار تشجيع السياحة الداخلية، رغم ذلك لم تكن لبلدية البنيان عزيمة لاستغلال الموقع والاعتماد عليه في خلق موارد بديلة وجديدة لميزانيتها، أو تعمل على تحويله إلى منتجع سياحي يستفيد منه الزوار المولعون بالتخييم والسياحة الجبلية، فضلا عن قيمة الموقع وأهميته بالنسبة لمرضى ضيق التنفس، الربو وأمراض الرئة، يضاف إلى الموقع السياحي المهمل قربه من المدينة الرومانية الأميلاريا-الدفينة، ومقابلته لجبل التوميات الراقد على كنوز تاريخية عظيمة.
وعلى طول الشّريط الفاصل بين ولايتي معسكر وسعيدة أين تقف جبال سعيدة شامخة مرحّبة بالوافدين إليها، يقابل موقع «المرجة» بالبنيان مرتفع سيدي امبارك الذي يطل على سفوح سويسرية ساحرة، وهو مناسب جدا لممارسة مختلف الرياضات، زيادة على التخييم والتجوال في الهواء الطلق، على غرار مهرجانات العدو الريفي وسباق الدراجات التي تفضّل السلطات المحلية بمعسكر إقامتها في الوسط الحضري.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024