فضاء مفتوح على الطبيعة ومتنفس للعائلات في الأمسيات الصيفية

المبيت في العراء.. تجربة ذات سحر خاص

تمنراست: محمد الصالح بن حود

 للمحافظة على خصوصيتها.. حملات تحسيسية عبر الفضاء الأزرق

 بالرغم من درجات الحرارة المرتفعة، بساطة الحياة فيها، يعطي الصيف لمنطقة «تيديسي» بعاصمة الأهقار، انتعاشا وتجددا تصنعه جلسات الشاي والشواء، وخرجات الشباب والأصدقاء لخوض تجربة المبيت في العراء، يفترشون رملها ويتلحفون سماءها لتكون نجومها لآلئ ليلها ومنبع هدوئها وسكينتها.
 
مع حلول فصل الصيف بارتفاع حرارته وطول ساعات نهاره، تفضل العديد من العائلات الهقارية هذه الأيام، الخروج والذهاب إلى الأماكن والفضاءات المفتوحة والقريبة التي تمتاز بها عاصمة الأهقار، على غرار منطقة «تيديسي» أو ما يعرف عند العديد من المواطنين الذين يجهلون الاسم الحقيقي له بـ «بلاطو المطار» من أجل الترويح عن النفس وقضاء وقت ممتع، وترك الأبناء يلعبون ويمرحون فيما بينهم، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة إنعدام لمرافق الترفيه وفضاءات التسلية.
وتعوّدت العائلات والعديد من المواطنين خاصة منهم فئة الموظفين والعمال، على التوجه وبشكل يومي خلال كل أمسية وطيلة أيام الأسبوع لمنطقة «تيديسي» بعد أن كانت مقتصرة على عطلة الأسبوع، نظرا لقربها من المدينة حيث لا تتجاوز المسافة 8 كلم، والجلوس إلى ساعات متأخرة من الليل، في ظل قرب الحاجز الأمني للدرك الوطني من المنطقة، الأمر الذي جعل المواطنين يحبذون التردّد عليها والإستمتاع بالجلوس بها وبمنظر غروب الشمس ما بين جبال الأهقار، في منظر يسحر ويبهر كل من يبحث عن الراحة والإستمتاع.
هذه الجلسات العائلية المتفرقة والمتنوعة، والتي أصبح يمتلئ بها «بلاطو المطار» لكون المنطقة مقابلة لمطار الولاية، تزينها قعدات الشاي والشواء يفضلها الكثيرون من أجل تناول العشاء الذي يطهى على الجمر والحطب ليتحصل على مذاق ونكهة خاصة لا يمكن الحصول عليها في أشهر مطابخ العالم.
فبمجرد مرورك بجانب المنطقة يجذبك مشهد دخان الشواء وعبق روائحه الممزوجة مع نسيم صيف حار، لا يمكنك تجاوز الرغبة القوية في تذوقه، لتزيد روائح الشاي المغلي على الجمر وحطب «الطلح» من شدة رغبتك في الذهاب والجلوس على أرض رملية تتسامر مع أشخاص حولهم سحر الصحراء وآنسها الى أهل ود ومحبة.
في هذا الصدد، قال محمد إن للصحراء سحر خاص لا تجده في أي مكان آخر فطبيعتها وبساطتها وطيبة أهلها تجعلك أسيرا لها لأنك مع مرور سنوات العمر تجد ان حياة الانسان لا تكون إلا بالآخر الذي سيكون مصدر راحتك وطمأنينتك، ولا يمكن إيجاد هذا النوع من الحياة البسيطة، إلا في الصحراء التي ما زال أهلها يحافظون على جوهر الانسان وفطرته.
وأضاف أنه في كل مرّة يأتي فيها الى الصحراء يجد مجتمعا إنسانيا ذو طابع خاص بسيط في كل تجلياته، «ولعله السبب في بقاء الرجل الصحراوي محافظا على الكثير من تفاصيل حياته، بعيدا عن ضغط التكنولوجيا وسجنها الضيق الذي سلبنا سر الحياة وجوهرها.

المبيت في العراء.. تجربة خاصة

على خلاف أولئك الذين يفضلون جلسات الشواء وقعدات الشاي، تحبذ عائلات أخرى تناول المأكولات المحضّرة والمعدة مسبقا في المنزل، تحت ضوء القمر وفي نسمات الهواء العليل والنقي بعيدا عن ضوضاء المدينة والتلوث الذي أصبح يميزها، الأمر الذي جعل العديد من الشباب كذلك يحبذ السهر والمبيت في الهواء الطلق، مفضلين النوم في الفضاء المفتوح، والعودة إلى المنازل في الصباح الباكر.
حيث قال جلال في حديثه الى «الشعب» إن النوم تحت نجوم السماء وقمرها أهم ما يميز السهرات الليلية في الصيف، خاصة وان الحرارة في الليل تنخفض بشكل محسوس مقارنة بتلك المسجلة نهارا، لذلك تجد الكثير من الأصدقاء يفضلون المبيت في الخارج تكون السماء سقفهم الذي يرسم أجمل ما صنع الخالق لتتلألأ نجومها التي كانت منذ آلاف السنين دليل الرجل الصحراوي في رحلاته وأسفاره الطويلة.»
أما صالح فأكد ان تجربة المبيت في العراء خاصة جدا، حيث قال: «يحرص والدي كل سنة مع حلول فصل الصيف على زيارة عائلته هنا بتمنراست حتى يبقي على صلتنا الروحية والمعنوية بالمكان الذي تربى وترعرع فيه، لذلك أخوض في كل سنة تجربة المبيت في العراء بعدما كنت أظن نفسي غير قادر على ذلك، خاصة مع كل تلك الاساطير والاشاعات المرتبطة بالصحراء، لكن بعد ان شجعني أقاربي تمكنت من تجاوز خوفي وخرجت مع أقربائي لقضاء سهرة صيفية حتى الصباح، وبالفعل ومنذ ثلاث سنوات تقريبا، وفي كل مرة أزور فيها المنطقة أخرج للمبيت في العراء لأكتشف سحر الطبيعة وبلاغة صمتها في مخاطبة النفس الإنسانية.»

الفضاء الأزرق للتوعية

للمحافظة على المنطقة بالإبقاء على سحرها وعذرية طبيعتها الساحرة، قام العديد من النشطاء عبر الفضاء الأزرق بحملات تحسيسية عبر مختلف صفحاته من أجل توعية مرتادي هذه المناطق ومطالبتهم بضرورة التحلي بالثقافة البيئية والمحافظة على نظافة المكان، وإبقائه على الطبيعة التي كان عليها، بجمع البقايا والمخلفات حتى لا تشوه المكان خاصة وان منطقة «تيديسي» تشهد إقبالا كبيرا من مختلف أطياف المجتمع.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024