تزيّن أزقة القصر العتيق

«الكيوة» رمزية الهلال في استقبال وتوديع الشهر الفضيل بورقلة

ورقلة: إيمان كافي

هي تضاء إيذانا بقدوم الشهر الفضيل حيث تعبر أضواؤها على ثبوت رؤية هلال رمضان لتشعل أنوارها مرّة أخرى ليلة 27 كإعلان رسمي لتوديع شهر الصيام، «الكيوة» جزء لا يتجزأ من التراث المعماري الأصيل بالقصر العتيق وعنصرا هاما من بين عناصر العمارة المحلية بورقلة، حيث نجد هذا الشكل الهندسي المربع الذي يشبه النوافذ المغلقة بكثرة في مفترق الأزقة ومداخل البيوت. 
لا تقتصر مكانة «الكيوة» وقيمتها الثقافية في الشق المادي للتراث الثقافي فقط، بل ترتبط من خلال عدة مهام تؤديها في الوسط المجتمعي المحلي، ببعدها الثقافي اللامادي نظرا للعديد من القيم الأخلاقية التي تحملها فكرة «الكيوة»، سواء في ارتباطها بسلوكيات الأفراد من سكان أو مارة داخل أزقة القصر في الأيام العادية أو المناسبات الخاصة.
وتتخذ «الكيوة» مكانة خاصة في الذاكرة الجماعية للمجتمع الورقلي، حيث أن لـ «الكيوة» رمزية، ترتبط بشهر رمضان وتعد إيذانا بقدوم أفضل أشهر السنة.
يقول رئيس جمعية القصر للثقافة والإصلاح حسان بوغابة، «تشارك «الكيوة» في احتفال استقبال رمضان، فبعد ثبوت رؤية الهلال في ليلة الشك تخرج البنات إلى أزقة القصر تحمل بوقالات زجاج مضاءة، توضع على «الكيوة» لتزين الشوارع وتضيئها، تعبيرا عن فرحتهم باستقبال هذا الشهر الكريم، وقد كانوا في السابق يستخدمن قطع قماش أبيض، تغمس في الزيت وتشعل فيها النار وتوضع في بوقالات زجاج تكون «الكيوة» مكانا لهذه البوقالات.

«يوري لايقوراشاد رمضان»
وينطلق الأطفال في ترديد كلمات الأغنية المشهورة محليا «يوري لايقوراشاد رمضان» والتي تعني لقد مر الشهر هلّ هلال رمضان وكانت تستخدم كأسلوب لإعلام كل الساكنة والذين لم يكن لديهم علم بقدوم شهر رمضان.
تبرز هذه العادة ارتباطا كبيرا لدى سكان القصر بالاحتفال باستقبال الشهر الكريم، حيث أن المارة بمجرد عبورهم على أزقة القصر ورؤية البوقالات المضاءة يغمرهم شعور الفرحة بهذه الأجواء المميزة التي تحمل سمة خاصة في الذاكرة، لذلك تعتبر «الكيوة» رمزا مشاركا بقوة في الإيذان بقدوم الشهر الفضيل.
من جهة أخرى، يتداول سكان قصر ورقلة، قصصا وحكايات من الزمن الجميل، تروي كيف ظلت هذه الزاوية صامدة بين أزقة القصر منذ عهود، حيث كانت تستخدم قديما بديلا عن إنارة الشوارع، كما كانت عبارة عن مكان لحفظ الأمانة، بالإضافة الى مساهمتها في تحقيق التواصل حتى بين المجاهدين إبان الثورة التحريرية.
تعرف «الكيوة»، كما ذكر محدّثنا، طابعا قدسيا في المجتمع الورقلي، فقد كان لكل واحدة منها اسم يطلق عليها من أسماء بعض الصالحين ومهما كانت قيمة المفقودات نقدية أو عينية تبقى محفوظة في مكانها إلى أن يجدها أصحابها.
لذلك يمكن اعتبارها ترجمة لفكر الإنسان القديم، الذي كان مهتما كثيرا بالحفاظ على النعمة وتوجيهها لاستخدامات أخرى دون إسراف أو تبذير وكان يبرز دورها باعتبارها مكانا خاصا، يوضع فيه فتات الخبز وبقايا الأكل وكذا بعض التمور التي كان يأخذها مربي الحيوانات لتستخدم كأعلاف.
وهو ما يعزّز دورها الأخلاقي التربوي وبعده البيئي، حيث تساهم من جهة في ترسيخ قدسية حفظ الأمانة وخصال النُبل والحفاظ على النعمة وتقاسمها دون المساهمة في تلويث البيئة والمحيط.

«الكيوة» لتوديع الشهر الكريم
ونظرا لاعتبارها جزءا لا يتجزأ من العناصر المعمارية التقليدية للعمارة الورقلية المحلية، فإن «الكيوة» تتواجد أيضا داخل المنازل التي مازالت تحافظ على طابعها التقليدي الأصيل، حيث تتخذ من مدخل البيت أو «السقيفة»، كما يطلق عليه محليا، مكانا وتستخدم أيضا لجمع فتات الخبز والتمر قبل وضعه في «الكيوة» المتواجدة في مفترق أزقة القصر، كما تتخذ كمكان لتبخير البيت والحفاظ على رائحته الطيبة.
وتعود «الكيوة» من جديد لتوّدع أيام شهر رمضان المباركة، خلال ليلة 27 من الشهر الفضيل، حيث تضاء بالشمع تعبيرا على قدسية هذه الليلة التي يعتقد بأنها تتوافق وليلة القدر، كما يلجأ البعض إلى صبغها ببعض الحنة، تبركا بمكانتها في حفظ النعم.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024
العدد 19519

العدد 19519

الثلاثاء 16 جويلية 2024
العدد 19518

العدد 19518

الإثنين 15 جويلية 2024