رمضان بين وبين؟

فتيحة كلواز

بعد الكثير من الاستعدادات حلّ الشّهر الفضيل علينا بركاته ورحماته التي لا يفوز بها إلاّ الملازمين العارفين لفضائل شهر سيّده الله تعالى على باقي الشّهور وجعله موسم النّفحات الربانية، ولعلّه السبب وراء كل تلك التّحضيرات لاستقباله فترى العائلة الجزائرية تحرص على تنظيف البيوت وشراء بعض المقتنيات الجديدة لتكون طريقة من بين الطرق التي يرحّب بها بالضيف الغالي والعزيز.
لكن هل يكفي ذلك؟ وهل هو الأساس الذي يعطينا أجر الشّهر وحسناته؟! طبعا لا، فلا يكفي غسل المساجد ليظفر المصلّون بأجر القيام والتهجد، ولا تكفي الأواني الجديدة والأطباق المتنوّعة على مائدة الافطار لتنال الخير والنفحات الربانية.
رمضان أكبر من ذلك بكثير، وغنائمه لا يربحها إلا من سكن بين أضلعه قلب سليم، قلب طاهر من الأحقاد والضّغائن، قلب تصغر نكتته السّوداء في كل مرّة يستقبل فيها رمضان، قلب كان ماؤه وصابونه حبّا، تسامحا، ذكرا وسجودا، قلب تعلّم وأتقن معادلة التنافس في الخيرات، فلا إظهار جَدَارته أمام الغير يهمّه لأنّ ساحة معركته ربّانية، الثّابت فيها يفوز برضى الله وحبّه.
أما الناس فمحبّته مفروضة عليهم لأنه سبحانه إن أحبّ عبدا ألقى بمحبّته في قلوب النّاس، وهذه غنيمة لا يعرف سرّها إلاّ من وعى سر العلاقة بين العبد وربه، ومواسم الخير التي يجعلها الله تعالى فرصة لكل باحث عن رضاه تعالى.
العجيب أنّنا لخّصنا رمضان شهر الخير والنفحات الربانية في أطباق تنتهي دورتها الطبيعية في أقذر الأماكن، وأواني وأفرشة تكون غايتها الأولى إغاضة فلانة وإثارة غيرة علانة، هي النّفس البشرية حوّلت الحسد الذي طرد إبليس من الجنّة إلى ميزة لابد من وجودها في الذات البشرية ليكون الأحسن، وما عدا ذلك يصنّف في خانة «الجياحة»، ما قلب معادلة الخير وغيّر عناصرها وجعلها تهتم بالظّاهر والتّظاهر، ولو اقتصر الأمر على هذا المخلوق الذي صنّف قصرا ناقص عقل ودين لكان مفهوما بل تجاوزه إلى من جُعلت «القوامة» في يده، وانقلبت المفاهيم وتحوّلت الصّلاة في المساجد إلى وسم ومجرّد «تيكي» للتّباهي، ولا يهم بعد ذلك إن سرق أو قتل أو أكل مال الغير بالباطل، ولا يمكن محاسبته لأنّه فقط يحترم  «دوام» الصّلاة احتراما دقيقا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024
العدد 19520

العدد 19520

الأربعاء 17 جويلية 2024