عقدت رابطة الكتاب الأردنيين في مقرّها بعمان المؤتمر الأول لأدب الحرية في سجون الاحتلال يومي الأربعاء والخميس (16-17 أبريل 2025) تزامناً مع يوم الأسير الفلسطيني بمشاركة واسعة من أدباء ونقاد وأكاديميين من الأردن وفلسطين والجزائر ولبنان والعراق وحضور مهتميّن بالأسر وأدب الحريّة.
كانت الجلسة الأولى بعنوان: “الشهيد وليد دقة رمز وأيقونة” بمشاركة الأستاذ عيسى قراقع/ فلسطين، والدكتور عزمي منصور/ الأردن، والشاعر رامي ياسين/ الأردن وإدارة المحامي الحيفاوي حسن عبادي/ فلسطين.
ابتدأ الجلسة المحامي حسن عبادي: في لقائي بوليد يوم 8 مارس 2023 في سجن عسقلان حدّثته عن مشوار عمان وحفل إشهار وتوقيع “سر السيف” في رابطة الكتّاب الأردنيين، وأخبرني عن انفعاله لمشاهدة ميلاد تخربش وتوقّع على الكتاب وصورتها عبر شاشة التلفزيون توقّع الكتاب في عمان لا تفارقه ليل نهار، وأعرب عن جزيل شكره لكلّ من ساهم في إنجاح الحفل، وتواعدنا أن نلتقي في الرابطة للاحتفاء بإصدار جديد ولكن مشيئة الله حالت دون ذلك، فاستشهد وليد في الأسر يوم 7 أفريل 2024، ورغم ذلك ها نحن نحقّق حلمه ونفي بوعده ونلتقي.
التقيت بوليد يوم 10 تموز 2019 في سجن هداريم وحدّثني عن ألمه وحسرته لاحتجاز السلطات حوالي ثلاثمائة جثّة فلسطينيّة ومنها جثمان الشهيد فارس بارود الذي توفيّ خلال فترة سجنه وما زالت جثّته محتجَزة وتساءل فارس محدّقًا بوجه سجّانه باستهجان: “هل ستحتفظ سلطة السجون بجثّتي حتّى تنتهي فترة محكوميّتي لتحريرها؟؟” ونحن صامتون صمت القبور... وعكاكيز السلطة تفاوض! وها هي نبوءته تتحقّق وجثمانه ما زال محتجزاً! التقيت بوليد يوم 25 آذار 2021 في سجن “الجلبوع”؛ وصادف ذكرى يوم اعتقاله السادسة والثلاثين، لكنّ السنين لم تحبط عزيمته.
تحدّثنا عن ميلاد وحرقته بعدم السماح له بلقيا ميلاده، وعدم السماح بتسجيله كوالدها في السجلّات الرسميّة ووصفها بسخريته السوداويّة القاتلة “زيّ السيّارة المسروقة”.
تناولنا استشهاد صديقنا الأسير كمال أبو وعر و«الشهداء يعودون إلى رام الله”، وفكرة اعتقال جثّة تكتب شعارات على جدران شوارع المدينة وصوت وليد ينشد من بعيد: “تمهّلوا تمهّلوا، الموت هذا مش إلو”
وليد كان وما زال رمزاً وأيقونة، في حياته ومماته، وهذا ما سيتناوله الصديق عيسى قراقع في مداخلته؛ شغل عيسى وزير شؤون الأسرى والمحرّرين، وشغل رئيساً للمكتبة الوطنيّة الفلسطينية، ولكنه كان وما زال صاحب القلم الحر، حاول أنسنة قضيّة أسرانا، وواكب إصدارات العديد منهم، موجّهاً ومراجعاً وملهماً، له عدّة إصدارات ومنها: “ثورة الحب والحياة في سجون الاحتلال الصهيوني”، و«الدهيشي” وغيرها.
أدعو الكاتب عيسى قراقع ليفكّك لنا رموز أيقونيّة وليد؛ جاء في مداخلته أنّ وليد هو كاتب وفيلسوف الحريّة وكانت كتاباته داخل السجن فعلِ مقاومة للسجن والسجان والقضبان والجدران، ونجح من خلال كتاباته أن يتسلّل إلى خارج السجن، على حدّ قوله، وكتب للأطفال واليافعين والكبار عن الوطن والحريّة والسجن.
أضاف عبادي: في لقائي بوليد يوم 10 تموز 2019 تناولنا “الزمن الموازي”، وصهر الوعي والمحاولات المستميتة لاستهداف معنويّات الأسير في السجون عبر إعادة صياغة عقله وفق رؤية صهيونية، فباتت السجون بمثابة مؤسّسات ضخمة لطحن جيل فلسطيني بكامله، وهي أضخم مؤسّسة عرفها التاريخ لإعادة صهر الوعي لجيل من المناضلين. الدكتور عزمي منصور؛ أسير محرر أمضى 18 عاما بالاعتقال، بعد أن كان محكوما بالمؤبد مدى الحياة. تحرر بعملية الجليل لتبادل الأسرى بسويسرا.
التحق بالدراسة الجامعية بعد تحرره ونال درجة البكالوريوس والماجستير بعلم النفس والاجتماع من الجامعة الأردنية. ودرجة الدكتوراه من الجامعة اللبنانية. عمل أكاديمياً بجامعة عمان الأهلية. وعدة جامعات أردنية. وتدرج بالمواقع الإدارية من محاضر إلى رئيس قسم إلى عميد كلية الآداب. الرئيس السابق لجمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية. عضو رابطة الكتاب الأردنيين وعضو الجمعية الفلسفية الأردنية.
له عدة مؤلفات وأبحاث منها:
الحياة وقفة عز.
دراسة سسيولوجية لحالة قرية فلسطينية، (المنسي/حيفا)،أثر العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية على تغير المناهج الأردنية،مبادئ في علم الاجتماع... قضايا معاصرة دعوت الدكتور عزمي ليشاركنا بصهر الوعي من وِجهته؛ فجاء في مداخلته أنّ الأسير الفلسطيني يواجه في السجون الصهيونية تعذيباً أشد وطأة، بطرق حضاريّة هادئة دون ضجيج، هدفها إعادة صياغة الانسان وفق رؤية صهيونية تهدف إلى صهر وعيه، تماماً كما يسعى الاحتلال تحقيقه في الأراضي المحتلة.
الأسير الفلسطيني في سجون الاحتلال يشعر بحالة من العجز نتاج صعوبة توصيف حالة القمع التي يعيشها منذ الانتفاضة الثانية المجيدة، فأصبح القمع والتعذيب ظاهرة حديثة تتماشى مع خطاب حقوق الانسان، وفي عصر العولمة لم يعد الجسد هو المستهدف المباشر بل أصبح المستهدف هو العقل والروح.
أضاف عبادي: يعدّ وليد دقة من أبرز مفكريّ الحركة الأسيرة؛ فقد كتب العديد من المقالات والكتب ومنها يوميات المقاومة في جنين، الزمن الموازي، صهر الوعي وحكاية سرّ الزيت، وحكاية سر السيف. الشاعر رامي ياسين، عضو الرابطة، صاحب ديوان “زوايا الخط المستقيم”، و«اشتباك على حدود الذاكرة...شعر وظلال أخرى”، وعضو منظمة كتّاب بلا حدود، وعضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب، وشارك في مهرجانات وأمسيات شعرية محلية وعربية وعالمية، الحاصل على العديد من الجوائز ومنها الجائزة الدولية للشعر “شعر الشعوب” الإيطالية.
دعوت الشاعر رامي ياسين ليدلي بدلوِه حول “صهر الوعي” الوليديّ؛ فجاء في مداخلته أنّ وليد عكس بعبقرية الواقع الصلب الذي يعيشه الأسير الفلسطيني، وسلّط الضوء على معاناة الأسرى وأثر السياسة القمعيّة على الهويّة الجمعيّة لشعبنا، ويعكس معركة لا تقتصر على البقاء الجسدي فقط، بل على الحفاظ على الحفاظ على الوعي والكرامة. أضاف أنّه لو كنت وليد الكتاب في يومنا لعنونه “الوعي المصهور”، وهناك تباينً بين الواقع المادي والمعنوي. وأضاف أن السجان جعل المستهدف روح الأسير النضاليّة وعقله النقديّ الواعي وعمله الجماعي المنظم وليس جسده، وأصبحنا نحن الأحرار جثثاً تتحرّك في عوالم صنعت لنا خارج الزنازين، في الهواء الطلق. وفي نهاية اليوم الأول للمؤتمر تم تكريم المشاركين وتوزيع الدروع.
الحريّة لجثمان وليد ولكافّة أسرى الحريّة