استغلال التكنولوجيا في التعريف بجرائم فرنسا

مشـروع تدريـــس التاريخ أساسه التنسيــق بــين التخصصات

خالدة بن تركي

شددت أستاذة الإعلام والاتصال الدكتورة مريم ضربان، على ضرورة إخراج تدريس مادة التاريخ من التلقين، الحفظ وحشو ذاكرة المتعلم بكم هائل من المعلومات التي تولد لديه نفورا وإحساسا بالملل بسبب انتهاج الطريقة النظرية التي تجاوزها الزمن، وأثبتت أنها لا تناسب قدرات المتعلم، داعية إلى اعتماد مشروع فكري ناجح لتدريس التاريخ أساسه التكنولوجيا والتنسيق المحكم بين التخصصات.
أكدت الدكتورة ضربان خلال نزولها ضيفا على «الشعب»، وجود شرخ بين التاريخ والأجيال الصاعدة بسبب فصل العلاقات التاريخية مع التاريخ، مشيرة إلى ضرورة اعتماد الجانب العملي كعنصر أساسي في إحياء فكر المتعلم، وهذا استنادا لما جاء في كتاب «مطارح الذاكرة»، الذي يقول فيه «إن زيارة الأماكن التاريخية هي محاولة لاستعادة الحنين مع الماضي»، وهو ما يجب أن يحس به جيل اليوم، أي على الشباب أن يحس بلكنة الماضي عند زيارته للأماكن التاريخية.
صرحت المتحدثة، أن المتعلم بحاجة إلى فن إدارة الحنين الذي لا يتجسد إلا بزيارة الأماكن التاريخية والمواقع الأثرية التي تحمل دلالات تاريخية، لأن زيارة المتعلمين في مختلف المراحل التعليمية للمواقع التاريخية المتواجدة في ربوع الوطن، أحد العوامل المهمة في التوعية بأهمية التراث، وتعزيز الروح الوطنية وربط التلميذ بماضيه، حاضره وتاريخ بلده. واستطردت قائلة، «يجب معايشة هذه الأماكن والإحساس بها، بدلا من الاطلاع عليها في الكتب المدرسية، لأن هذا لا ينمّي الجانب الفكري للتلميذ، بل يجعله في حالة من الاغتراب، الغياب التاريخي والاستقالة من مقاييس التاريخ. لوحظ هذا عند طلبة الجامعات اليوم»، حيث أشارت الى انتهاج أسلوب تدريس يعتمد على الفكر، طرح المشكلة ثم السعي إلى إيجاد أجوبة عنها من خلال تطوير الفهم، الاستنتاج والمقارنة، المقاربة والاستنباط، الذي أصبح أكثر من ضرورة من أجل تحقيق التفاعل الدراسي.
وأكدت أن تحقيق التفاعل في التدريس، يستوجب تقريب المتعلم من الحادثة التاريخية. لكن في المقابل، يجب أن يكون الشغف والرغبة في الاطلاع لمعرفة خبايا التاريخ. والأستاذ عنصر محوري في العملية التعليمية. هذا بالإضافة إلى تنمية القدرات العلمية في المطالعة من أجل تنمية الذاكرة، حيث قيل في كتاب «حضارة السماء عن الذاكرة»، إن ذاكرة هذا الجيل ذاكرة ثمان ثوان»؛ بمعنى أنه مطالب بتحميل المادة عبر نسخة مصورة وبمجرد انتهاء المقياس يتم حذف الذاكرة من الهاتف، هذه هي علاقته مع التاريخ، كمية الكابتير أو كبترة الذاكرة، تزول بعذ زوال الامتحان.
تلقين التاريخ لا يتم بلغة النسخ
حذرت الدكتورة مريم ضربان، من الاستقالة التاريخية التي يعيشها شباب ومثقفو اليوم، حيث لاحظت أن الجامعة تحولت إلى أمكنة، بدل أن تكون فضاء لتعليم وتلقين هذه المادة التي تمثل ماضي حاضر ومستقبل أمة، حيث أصبح هذا الجيل لا يزعزعه شيء، حتى صور العبث بالشهداء لا يعتقدون أن لها علاقة بالهوية. وهو ما يؤكد أن الطالب عندما يتم الحديث عنه بلغة «النسخ» يصبح نظريا وموجودا من أجل ان يضع ما درسه فقط دون فكر او إبداع.
قالت، إن التوجه يرتكز اليوم على صناعة التلميذ أو الطالب في فكره، وهذا لا يتحقق إلا بالحديث معه في فكره، هنا يمكن صنع شخص يفكر ومستوى التلقي المرتبط بالتاريخ عنده يحيا من جديد، ويتم إلغاء الرفض الداخلي له، حيث أشارت إلى الزوايا التي قدمها ماكشيلي في الهوية، عندما قال «شكلنا يدل على علاقتنا بماضينا»، حيث أن الطالب عند سؤاله عن الإعلام الثوري لا يعرف إلا المجاهد البصائر، أي الحفظ عن ظهر قلب، ولا يفهم الحقائق التاريخية جيدا.
نفس الشيء بالنسبة لمعامل المادة، يرتفع معامل مادة التاريخ مثلما يرتفع معامل مادة القانون في الولايات المتحدة الأمريكية- تقول الأستاذة-، أي يجب أن يرفع معامل مادة التاريخ في جميع الشعب، لأنه لا يعقل تنزيل مادة بحجم صناعة دولة لأجل المعدل، لأننا مع جيل براغماتي انتقائي، يتذكر ما يريده فقط، أي أننا اليوم- تضيف المتحدثة- أمام جيل يريد أن ينجح ويحصل على الشهادة على حساب ما الذي تلقاه، بمعنى بمجرد انتهاء الامتحان تلقى المعلومات السنوية التي تحصل عليها، يصبح الطالب بعدها في بياض مع الذاكرة.
الهوية، المقاومة وبناء الهوية
أصرت الأستاذة، على أن الرهان اليوم على مشروعين؛ الهوية المقاومة وبناء الهوية، وهو ما يستلزم الحديث عن الذاكرة المقاومة وبناء الذاكرة، ما يعني أن جيل اليوم في صراع بين الماضي والحاضر وهنا يجب التدخل وفق مشروع قوي يستغل ما استعملته فرنسا في سرد جرائمها التي تلذذت في نقلها من أجل تفسير التاريخ، أي لا يجب أن يدرس التاريخ على أساس انه متحاقل، يجب أن يدرسه مع علم الاجتماع والجغرافيا من أجل تحقيق التنسيق الذي يسمح بفهم المادة جيدا.
أكدت الدكتورة ختاما، على ضرورة استغلال التكنولوجيا كوسيلة لتجريم جرائم فرنسا، أي ضربها بسلاحها؛ بمعنى ما أفسدته التكنولوجيا نستغله بطريقة أخرى، نحتاج فقط الى تسيير مناسب وجلسات دورية بين الأساتذة والمختصين، وعدم البتر بين التخصصات من أجل تجسيد المشروع الفكري لتدريس التاريخ.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19473

العدد 19473

السبت 18 ماي 2024
العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024