إبان الثورة... المنشار لبتر الأعضاء والماء للحروق

وسائل منعدمة مقابل قنابل «النابالم» الفرنسية

هيام لعيون

شخّص الدكتور فتحي بن أشنهو، الوضع الصحي للجزائر خلال فترة ثورة أول نوفمبر الخالدة ووصف ظروفها بالكارثية واللاإنسانية، مع انعدام الإمكانات في تلك الحقبة حتى البسيطة منها، وهذا في مواجهة غطرسة ووحشية أعتى قوة استعمارية في العالم، التي كانت تستعمل وسائل حرب ثقيلة، لاستهداف الثوار وملاحقتهم في المدن والقرى وقصفهم بواسطة القاذفات والطائرات العسكرية بقنابل النابالم الحارقة والرصاص.

تحدث الدكتور بن أشنهو خلال شهادة قدمها في منتدى جريدة «الشعب»، عن الظروف الصحية التي عانى منها الجزائريون خلال الاحتلال الفرنسي، خاصة في فترة ثورة التحرير المباركة، حيث أكد أن تلك الظروف أجبرت المجاهدين على البحث عن تقنيات لعلاج الجرحى والمصابين في تلك الظروف الصعبة جدا.
وأضاف، أن «حزب جبهة التحرير في تلك الحقبة، والذي كان يتولى تنظيم الثورة رفقة جيش التحرير الوطني، كان لابد له من التكفل بالتغطية الصّحية للمجاهدين، خاصة في الجراحة، التطبيب والعلاج، فضلا عن التكفل النفسي بالثوار والفدائيين، ودراسة نفسية المجاهدين الذين كانوا في معظمهم شبابا، وهم يتعرضون للجرائم الوحشية لفرنسا، ويشاهدون مظاهر مروعة لأجساد مبتورة الأعضاء، وأحشاء خارج الأجسام وغيرها من المناظر التي يندى لها جبين الإنسانية».
وأشار منشط الندوة، إلى أن الثورة التحريرية التي انطلقت بوسائل بسيطة وتقليدية، لم تكن التغطية الصحية خلالها استثناء، مبرزا غياب الوسائل الكافية للتكفل طبيا بالجرحى والمصابين، حيث كان يتم العلاج والتطبيب في الخلاء تحت أشعة الشمس الحارقة صيفا، وعرضة للبرد القارس في الجبال شتاء، وفي أحسن الأحوال تعتمد مغارات الجبال كمستشفيات.
ولفت الدكتور، إلى أنه و»في بداية الثورة التحريرية كنا نتخبط وحدنا، لكن الارتباط المتين بين القاعدة في المدن، أين توجد المستشفيات والصيادلة، وفي الجبال مركز الثوار، أنقذ العمل الصحي خلال الثورة، بعد تشكيل سلسلة بين المدن والجبال لنقل أدوات التعقيم والجراحة والقطن، حيث كان كل من يعمل في المستشفيات الفرنسية عرضة للاعتقال والحبس والتعذيب من قبل السلطات الاستعمارية التي شددت الحراسة في المستشفيات.
وكانت تتحرى يوميا أين تذهب أدوات التطبيب والجراحة، حيث ان كل من يضبط حاملا حتى القطن يُحال على الاستجواب والسجن، خاصة وان فرنسا جندت «البياعين»، واعتمدت على ترقيم كل الأدوات الطبية، وبالرغم من ذلك كان يصل الدعم، ما ساعد على مواصلة الكفاح»، مختصرا مخاطر ما كان يحدث بالقول «كل من كان يحمل قارورة كحول من مستشفى مصطفى باشا بالعاصمة أو مستشفى قسنطينة يقابله الموت».
وحول نوعية الإصابات، كانت بين البسيطة والعميقة، وقال المحاضر «اضطررنا لبتر الأرجل والأيادي من دون استعمال مخدر، وبأدوات غير طبية على غرار المنشار في محاولة لإنقاذ المجاهدين، حيث كنا نخاطر بحياة الإفراد»، مبرزا أن الأطباء في تلك الحقبة اضطروا لإخماد حروق قنابل النابالم المادة الخطيرة الحارقة بالماء فقط.
وأوضح المتحدث، أن قيادة جبهة التحرير اضطرت لاستقدام الطلبة الجزائريين من كليات أجنبية، على غرار فرنسا، للالتحاق بالجبل وكانت تلك الحلقة الفاصلة لبداية التغطية الصحية، حيث أصبحوا يجاهدون بالسماعة والسلاح في نفس الوقت، ووجدوا أنفسهم وسط المعركة، مشيرا الى الشروع في تكوين الممرضين والممرضات العاملات في المستشفيات، حيث كان أغلبهم يتلقى تكوينا مباشرا في الميدان ليدخلوا مباشرة للعمل في ظروف كارثية.
حدث هذا في وقت كان الجزائريون يتعرضون لإبادة من طرف فرنسا في ظروف سيئة جدا، لكل أولئك القاطنين في أماكن كنا نطلق عليهم «أحياء العرب» في قلب المدن ــ كما أوضح بن أشنهو.
الوحدات القاعدية الصحية
وعن مرحلة بداية الاستقلال، أكد بن أشنهو أن اللاجئين بدأوا بالعودة إلى الجزائر قادمين من تونس، رجالا ونساء، وهم في وضعية خطيرة، حيث تم التكفل بهم. وبعدها تم التأسيس لأحسن نظام  صحي في الجزائر، وتم إنشاء الوحدات القاعدية خلال الاستقلال، ومصلحة حماية الأمومة والطفولة التي قامت بعمل كبير، جابهت مختلف الأمراض في تلك الحقبة، منها الأمراض الصدرية مثل السل الذي أودى بحياة الكثير من الجزائريين، ليتم بعدها الاعتماد على الرضاعة الطبيعية وتحسين التغذية وإنشاء سجل الصحة في الوحدات القاعدية.
وعاد الدكتور لمواجهة المنظمات الصحية العالمية التي تنتقد المنظومة الصحية الجزائرية، بالقول «اعتمدت الجزائر التلقيح منذ الاستقلال، حيث كونت قاعدة معلومات حول الفيروسات، والتي لابد أن تُجابه بالوقاية والتربية الصحية واعتماد التلقيح»، مشددا أن جزائر ما بعد الاستقلال شكلت أحسن نظام صحي، لا يعتمد على فاتورة استيراد الأدوية واستقدام المعدات من آخر طراز والتي سرعان ما تتعطل، مضيفا «أحسن نظام صحي نعتمد عليه قائم على الوحدات القاعدية ومستشفياتنا الصغيرة، لذلك لابد من التخلص من عقلية «المستشفى» في تقييم المنظومة الصحية». وأظهر المتحدث افتخاره الكبير بالطب المدرسي، والصحة بالجامعية خلال نفس الفترة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19473

العدد 19473

السبت 18 ماي 2024
العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024