تقييم المنظومة الصحية بعد 11 شهرا من الوباء... أولوية
أكد الطبيب الرئيس بمصلحة الأمراض المعدية بمستشفى بوفاريك عبد الحفيظ قايدي، أن الأزمة الصحية مرت بمرحلتين؛ الأولى تتعلق باكتشاف الوضع عندما دخل الأطباء في معركة مع فيروس خفي متحول بخبرة قليلة وإمكانات بسيطة. والثانية بدأت بعد 3 أشهر من الوباء، أي عند استقرار الإصابات حاول خلالها الجيش الأبيض التحكم في الأمور التنظيمية للسيطرة عليه.
قال الدكتور قايدي، لدى نزوله ضيفا على «الشعب»، إن الحديث عن كورونا في الجزائر يستوجب الوقوف عند محطات عدة، أولها بداية الوباء، شهر مارس الماضي، عندما سجلت مصالحه الحالة الأولى، متمثلة في إصابة مواطن قادم من فرنسا. وأول حالة سائق سيارة إسعاف أصيب بالعدوى ونقل إلى مستشفى فرانس فانون وفوجئ الأطباء بعدوى فيروس متحول ليست لديهم معلومات حوله.
عامل المفاجأة يدخل أطباء البليدة في معركة
مع الانتشار الكبير لفيروس كورونا في منطقة البليدة في تلك الفترة، دخل الأطباء في صراع مع الوباء من أجل منع انتشاره في أوساط المواطنين والأطقم الطبية، خاصة مع إجراءات الوقاية التي أقرتها السلطات، حيث أنه ورغم الخبرة في ميدان الأمراض المعدية، غير أنها لم تكن كافية للتعامل مع الوباء، لكنها حاولت قدر الإمكان تفادي الكارثة.
من المواقف الصعبة التي واجهت الأطقم الطبية، بعد أسبوعين من انتشار الوباء في بلادنا، امتلاء المصلحة وعدم وجود أسرّة لاستيعاب العدد الكبير من المرضى، حيث أجبروا على تحويل المصالح الأخرى، على غرار زراعة الأعضاء إلى مصلحة كوفيد-19 خصصت 150 سرير، غير أن الإشكال الذي واجه الأطباء هي حالات ضيق التنفس التي كانت الأولى من نوعها بعد أسابيع من انتشار العدوى، أين عملنا ـ يضيف الطبيب ـ تحت ضغط كبير وبطريقة غير تنظيمية لغاية إدراكنا أننا في أزمة تستوجب توفير أسرّة إنعاش.
وواجه الأطباء في هذه المرحلة، تحديا مهنيا كبيرا لعلاج مرضى كوفيد، خاصة عبر أجهزة التنفس الاصطناعي. والتحدي كان كبيرا وجديدا لأنهم لم يعيشوا ظاهرة وبائية بهذا الحجم، غير أن الكم الكبير من المرضى جعل التحدي أكبر.
أطباء الإنعاش وإنقاذ المرضى في الوقت بدل الضائع
تحمل أطباء قسم الإنعاش في الفترة التي زاد فيها الوضع سوءاً على ضوء انتشار كوفيد-19 أو قبله مسؤولية كبيرة على عاتقه لتوفير أجهزة التنفس الاصطناعي للمرضى، الذين وصلوا إلى المستشفيات في حالة حرجة، حيث امتلأت القاعات عن آخرها وتم تحويل مصالح أخرى إلى قاعات لعلاج المرضى.
وأوضح الطبيب، أن اتخاذ قرار إدخال المريض إلى مصلحة الإنعاش يعتمد على معايير تطبق على المصابين بفيروس كورونا، خاصة وأن الإنعاش صعب على المرضى في حالات حرجة أو الأكثر ضعفا وأحيانا العكس، أين يكون الإنعاش الحل الوحيد لإنقاذ حياتهم.
وأضاف الدكتور، أن المصابين بفيروس كورونا في تلك الفترة وعلى الرغم من القواعد والتوصيات، فإن الطبيب أمام مسؤولية توفير أسرّة إنعاش للمرضى، فالمهم أن يتدخل وينقذ حياته، واصفا الوضع بالصعب ومسؤولية كبيرة تحملها الطاقم الطبي على عاتقه.
الحجر الصحي غير كاف والأطباء في مواجهة مع الفيروس
قال الطبيب قايدي، إن فرض الحجر الصحي في تلك الفترة لم يكن كافيا لهزيمة فيروس كورونا، والواجب اقتضى البحث عن تدابير صحية أخرى لمنع عودة الفيروس، أي الذهاب إلى البحث عن المرضى حاملي الفيروس القريبين من المصابين لعزلهم والعثور على من احتكوا بهم لمحاصرة الوباء.
هي إجراءات اتخذت في نهاية الموجة الأولى، أين حصرت أيضا في إطار استراتيجية مجابهة الوباء بالمناطق الموبوءة وفرضت قيودا صارمة لوقف انتشار الفيروس، منها مباشرة معظم المواطنين العمل من بيوتهم وأغلقت المدارس، المتاجر والمطاعم وحتى المساجد
وكانت الجزائر السبّاقة لاتخاذ إجراءات الحماية، إلى جانب قيود وتدابير مشددة لفحص عائلات المرضى المصابين، خاصة في المناطق الموبوءة وهذا لتجاوز العدوى وملاحقة الفيروس؛ بمعنى نقل العمل إلى الفيروس، وهنا دخلت الأطقم الطبية، فيما يسمى المرحلة التنظيمية بين شهري جوان إلى جويلية.
قاعات وفنادق تتحول إلى مراكز إيواء الأطباء
بعد استمرار الأزمة الصحية في البلاد، فكرت وزارة الصحة وبتكاتف العمليات التضامنية على تخصيص مراكز إيواء الأطباء الذين يتعذر عليهم الذهاب إلى منازلهم لعدم نقل العدوى، حيث كانت التجربة الأولى من ولاية البليدة، أين عاش الأطباء بين شهري ماي وجوان على هذه الحال، إلى أن أصبحت مراكز الإيواء مصدرا للمرض.
ووسط معاناة الجيش الأبيض -بسبب ضيق المراكز- فتحت فنادق خاصة لاستقبال الأطباء العاملين في مصلحة «كوفيد»، حيث جندوا لهذه المهمة النبيلة، نعم أنها معركة ضد فيروس لا نعلم ما يخفيه من متغيرات -يضيف الدكتور- غير أن الأهم إنقاذ حياة المرضى المقبلين على المستشفيات.
عودة الفيروس بوتيرة أسرع في الموجة الثانية
في هذه الفترة صار الكثير من الأطباء والمستخدمين في قطاع الصحة لا يزورون عائلاتهم بسبب تفشي الفيروس، وانحصر وجودهم في الوسط الصحي، بعضهم اختار التضحية بأنفسهم لإنقاذ حياة المرضى، وهي ليست معاناة الأطباء وحدهم، هناك هيئات كثيرة صارعت ولازالت تصارع الوباء الذي لا يفرق بين طبيب ممرض، أو سائق سيارة إسعاف، غير ان المتفق عليه أن لا ينقلوا العدوى إلى أقاربهم، فكانت مراكز الحجر الحل الوحيد.
وبعد استقرار الوضع الصحي وانخفاض عدد الإصابات في بلادنا، قررت السلطات أن تفتح الشواطئ والمرافق العامة لعودة الحياة تدريجيا والتعايش مع الوباء، في وقت كانت تعيش فيه الدول الأوروبية بداية موجة ثانية حادة مع غلق وقرارات وتشديد في الإجراءات، حيث تنفس الجزائريون الصعداء وانطلقوا نحو الشواطئ ومرافق الترفيه والمساحات الخضراء التي كانت تعج بالمواطنين.
وأوضح بخصوص بداية الموجة الثانية في الجزائر، أنها مرتبطة بما حدث في أوروبا، أي كل ما يجرى هناك بخصوص الفيروس نعيشه بعد أسبوعين أو ثلاثة من الوباء، إضافة إلى أن التراخي في الإجراءات الوقائية تسبب في انبعاث الفيروس من جديد وبأعداد كبيرة.
وأضاف الدكتور مرابط في هذا السياق، أنه في الوقت الذي عرفت بلادنا استقرار الوضعية الوبائية عاد الفيروس بشكل أسرع تحت ما يسمى الموجة الثانية، من نهاية أوت إلى أكتوبر، أين أرجعت السلطات أسباب ارتفاع الإصابات إلى التراخي في الإجراءات الوقائية، وعدم احترام البروتوكول الصحي، لاسيما ما تعلق بالارتداء الإجباري للكمامة، واحترام التباعد الجسدي، ومنع التجمعات.
المعطيات العلمية حول الأمراض الوبائية لا تتوافق مع كورونا
التجمعات وعدم الامتثال للبروتوكول الصحي في أماكن مختلفة، كانت من العوامل الرئيسة في عودة ظهور البؤر وساهمت في الانتشار السريع للفيروس الذي أجبر الأطقم الطبية على الاستعداد من جديد بخبرة أكبر ومعرفة أكثر بالفيروس الذي تجرى فيه الأبحاث إلى الآن، خاصة مع ظهور السلالة الجديدة من كوفيد-20، يقول الطبيب.
في شرح أكثر للموجة الثانية، قال قايدي إنه في الأمراض المعدية الأخرى الحديث عن موجة ثانية يكون بعد تسجيل 0 حالة، غير أنه في كوفيد-19 المعطيات تغيرت، وكل شيء مجهول إلا أن المصالح الطبية اليوم لا تعمل بنفس ضغط المرحلة الأولى، بالنظر إلى الخبرة الميدانية التي اكتسبت طيلة 11 شهرا من عمر الأزمة.
وأضاف، أن معظم الفيروسات تصبح أقل خطورة عند تعرضها لطفرات جينية. غير أن كورونا لم يطرأ عليه طفرات كبيرة، لكنه مازال سريع الانتشار، عكس الأمراض المعدية الأخرى، التي يمكن التحكم فيها في مرحلة ما، على غرار ما حدث في ولاية البليدة مع وباء الكوليرا.
وشدد الدكتور في الختام، على ضرورة تقييم المنظومة الصحية بعد أشهر من الأزمة الصحية، من خلال إعادة تقييم الجانب البشري والمادي، خاصة وأن الكثير من الوسائل والتجهيزات الطبية بحاجة إلى التجديد وهذا لمعرفة نقاط الضعف وتداركها في حال حدوث أي مستجدات.
«كلوروكين» أثبت نجاعته
قال الطبيب الرئيس بمصلحة الأمراض المعدية عبد الحفيظ قايدي، إن «هيدروكلوروكين»، الذي أثار جدلا، عالج أكثر من 450 مريض في ظرف قياسي بمصلحة بوفاريك وأثبت نجاعته ميدانيا لمرضى كوفيد-19، مشيرا أن الطبيب له الحرية في اختيار العلاج المناسب.
وأوضح الدكتور، حسب تجارب عاشها بمصلحة «كوفيد» ببوفاريك، أن البروتوكول العلاجي الذي كان محل انتقاد، حقق نتائج مذهلة لدى المرضى، حتى كبار السن تحسنوا بشكل كبير في فترة وجيزة قدرت بـ48 ساعة، أين بدأت الأعراض تخف، عكس ما يتداوله البعض أنه يحدث مضاعفات قد تؤدي إلى الوفاة.
وأضاف، أن بداية المرحلة الوبائية كان البروتوكول العلاجي بهيدروكلوروكين الحل الوحيد للمرضى، على ضوء غياب معرفة تامة بهذا الوباء. واستطاع الأطباء خلالها أن يثبتوا فعاليته من خلال التحكم في علاج المرضى بنسبة كبيرة، ولهم الحرية في اختيار الدواء المناسب للمريض وفق ما هو مناسب.
وأكد أن البروتوكول العلاجي، أعطى نتائج مذهلة في بداية الأزمة الصحية ومازال يستعمل لحد الآن، إلى جانب العلاجات الأخرى التي يختارها الأطباء طبقا لصحة المريض، والتي أتت هي الأخرى بنتائج إيجابية في الكثير من الحالات التي أصبح الطبيب المختص يختار العلاج، وفق ما يراه مناسبا.