ترميم القصبة يتنوّع باختلاف درجات الاهتراء والانهيارات

جزء من المدينة العتيقة ما يزال صالحا للعمران

سعاد بوعبوش

بدّدت الخبيرة في البناء والمختصة في ميكانيك التربة حسينة حماش، كل ما قيل عن النمط العمراني للقصبة ونسبه إلى حضارات أخرى، مؤكدة أنها جزائرية أمازيغية خالصة ذات بعد إسلامي لم يسكنها الأجانب بل السكان الأصليون للجزائر فقط، ما يؤكد خصوصيتها في منطقة البحر المتوسط والتاريخ العالمي، بما فيها مدينة الجزائر الموجودة منذ القرن السادس قبل الميلاد فهي عتيقة جدا ونفس الأمر بالنسبة للقصبة.

أكدت حماش أن النمط العمراني للقصبة خاص جدا واستمدت هذه الخصوصية من النمط الوطني المحض، وهو أمر ليس بغريب. فالإنسان كان بنّاء منذ العهد القديم والدليل على ذلك قرى أريس التي كان سكانها من السباقين في البناء بالطوابق، ونفس الأمر بالنسبة للقصور بالصحراء وبني ميزاب، فهي مبنية بطريقة إيكولوجية وبمواد طبيعية مستدامة تحمي من البرد والحر في آن واحد، وحتى في قرى القبائل، مشيرة إلى أن حتى البناء الروماني هو محلي بالأساس.
وذكرت «ضيف الشعب»، أن القصبة تعرضت إلى عدة زلازل منذ القدم ورغم ذلك بقيت صامدة، ما يجعلها كتابا مفتوحا في مقاومة الزلازل، لأن بناءها مقاوم للزلازل. غير أن أكثر زلزال أضر بها ذاك المسجل في سنة 1716 الذي تسبب في سقوط 200 منزل، مشيرة إلى أن شمال الجزائر هي منطقة نشطة ومعرضة للزلازل لوقوعها فوق صفائح تكتونية متحركة بطريقة دائمة.
وذكرت الخبيرة في البناء والمختصة في ميكانيك التربة، أن الانهيارات التي عرفتها القصبة ليست مرتبطة بعدد الزلازل التي تعرضت لها، بل بسبب تعرضها لعدد من عمليات الترميم والصيانة العشوائية. كما تطرقت إلى إشكال آخر زاد من تردي الوضع بها، يتعلق الأمر برمي مواد البناء داخل الآبار، ما أدى إلى تلويث المياه بها بدلا من رميها في المكان المخصص لها.
وترى المتحدثة أن إدخال المياه إلى القصبة ساهم في الإضرار ببنائها وأساساتها، بعدما كانت تعتمد على «العيون» والآبار والنافورات، باعتبار الماء عدو البناء، مشيرة إلى أن إدخال المياه إلى الدويرات ساهم في هشاشة البناءات بها. و- بحسبها- يتعين على وزارة الموارد المائية أن تقوم بإعداد مشروع خاص لأجل إيصال الماء إلى القصبة مع الحفاظ على هويتها.
لقاء لليونيسكو في 2021 لتقييم مشروع القصبة
وأشارت حمّاش، إلى أنه في سنة 2021 سيكون لقاء لليونيسكو بالجزائر من أجل تقييم وضعها وماهي العراقيل التي تقف وراء عدم ترميمها لحد الساعة، مشيرة بهذا الخصوص إلى أن الوزير الأول عقد بخصوصها مؤخرا اجتماعا مصغرا جمعه بوزير الداخلية، وزيرة الثقافة ووالي العاصمة.
في هذا السياق، رأت المتحدث أن الاجتماع ضرورة لإشراك فاعلين آخرين، يتعلق الامر بوزارة الشؤون الدينية، بالنظر للنمط الإسلامي الذي بنيت به، سواء من حيث المواد المستعملة، الرخام والطلاء الأبيض، كما أنها بنيت فوق هضبة معروفة باستقطابها النور وكل هذا له بعد ديني وروحي، وكذلك بالنسبة للملكية العقارية، ففيها الوقف والحبوس والملكية الخاصة، ويسكنها حوالي 52 ألف ساكن، ثلثا سكانها هم من المستوطنين وليسوا أصليين.
سنّ قوانين خاصة بالقصبة لتسوية وضعيتها وتعجيل ترميمها
واقترحت إشراك وزارة العدل لوضع الرطار القانوني لتسوية وضعيتها ووضع قوانين خاصة بها، باعتبارها معلما تاريخيا إنسانيا. فلابد من تدخل الدولة من أجل ترميمها ومساعدة السكان المالكين في ترميمها ضمن إطار واضح، داعية الى تشكيل لجنة وطنية، لأن القصبة ليست حيّا بل مشروعا وطنيا لدراسة استصدار قوانين خاصة بها لتجاوز كل العراقيل، من بينها النزاعات حول الملكية وتعدد الوارثين.
وترى حمّاش أن جزءاً من القصبة ما يزال صالحا للعمران، وكذا للترميم على اختلاف درجات الاهتراء والانهيارات التي مسّتها ويمكن إعطاؤها طابعا سياحيا أو ثقافيا، وحتى المنهارة منها يمكن إعادة بنائها بنفس المواد والنمط.
في المقابل اعترفت الخبيرة في البناء والمختصة في ميكانيك التربة، أنها تفضل إخلاءها للحفاظ عليها كتراث ومعلم تاريخي عالمي إنساني، وذلك بعد تسوية وضعية السكان وتعويضهم، ولهذا الأمر اقترحت لجنة قانونية لتسوية وضعها، أو البحث عن حل توافقي من خلال العمل على خلق علاقة بين السكان والدولة وتحسيسهم بأهمية الحفاظ عليها والتعامل معها بحذر وتنبيههم بأنه تراث وليس ملكا حرا يمكن التصرف فيه بكل حرية وإنما تراث جماعي إنساني الكل مسؤول عنه.
وتأسّفت حماش لتغييب القصبة من المشروع المخصص لها، حيث استفاد منه كل المتدخلين من سكان مستوطنين ومكاتب دراسات وجمعيات، إلا القصبة لم تجد نفسها كمعلم صاحب شأن. ولهذا هناك الكثير يجب العمل لأجله- بحسبها- مع ضمان الاهتمام الدائم والمستمر، حيث يتعين على الجمعيات النشطة في مجال الدفاع عن التراث العمل الحقيقي في الميدان، كما أن الأثرياء مطالبون بالمساهمة في تمويل عمليات الترميم.
وأشارت المتحدثة، إلى غياب ثقافة حماية التراث المادي كالقصبة، واستقطاب جمعيات وأثرياء من أجل الترميم، مرجعة عدم الاهتمام بالتاريخ وإهماله إلى نفس السبب.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024