أكّد وزير الشّؤون الخارجية، صبري بوقدوم، أنّ تحسّن العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية، مرهون بتسوية نهائية لمسألة الذاكرة، بالشكل الذي يلقى «قبول» الجزائر، وأفاد بأنّ استكمال استرجاع جماجم شهداء المقاومة، واستعادة الأرشيف الوطني والتفجيرات النووية توجد على طاولة المفاوضات بين البلدين.
لمست الجزائر تحسّنا «لافتا» في الموقف الفرنسي الرسمي، بقيادة الرئيس إيمانويل ماكرون تجاهها، وتنتظر الأيام المقبلة للتأكد من مدى صحة هذه «النية الحسنة»، حسب ما أكّده رئيس الدبلوماسية الجزائرية صبري بوقدوم في منتدى «الشعب».
جاء ذلك، في سياق ردّه على سؤال حول المواقف الحازمة وردود الفعل القوية التي أبدتها الجزائر لفرنسا طيلة الأشهر الماضية، على ضوء أحداث متعاقبة بلغت حد استدعاء السفير الفرنسي لديها عدة مرة، وسحب السفير الجزائري لدى باريس، قبل أن يعلن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، استرجاع دفعة أولى لرفات وجماجم 24 شهيدا من أبطال المقاومة الشعبية.
وقال الوزير: «إنّ العلاقات مع فرنسا لها طابع خاص ومعقّد، لأنّ التاريخ له ثقل كبير في هذه العلاقات إلى غاية اليوم»، مضيفا: «نتمنى أن تكون العلاقة بيننا مبنية على الاحترام المتبادل بين البلدين، وأن نكون سواسية».
وبالنسبة لبوقدوم، فإنّ تحسّن العلاقات الثنائية بين البلدين، وبلوغها مستوى «طبيعيا»، مرتبط بمعالجة نهائية لكل ما يتعلق بمسألة الذاكرة، بالشكل الذي ينال «قبول» الجزائر.
وتابع: «لن ننسى أبدا ملف الذاكرة، الذي لا يتضمّن فقط مسألة استعادة الرفات، وإنما هناك 3 ملفات أخرى، هي: استرجاع الأرشيف الوطني، التجارب النووية وقضية المفقودين»، مؤكّدا أنّها موجودة منذ سنة على طاولة المفاوضات الثنائية، وتعثّرت بفعل تفشّي فيروس كورونا.
وأعلن بوقدوم عن لقاء مرتقب على مستوى الوزير الأول، بين البلدين شهر سبتمبر المقبل، بعدما كان مقررا في جويلية الجاري، وجرى تأجيله بسبب تفشي جائحة كورونا.
وأوضح أن مسألة الرفات والجماجم كانت ستنتهي سريعا، لو تم التعرف على هويتها كلها، «لكن الأمر يتطلّب خبرة تقنية تشرف عليها لجنة علمية يقودها رئيس مصلحة الطب الشرعي بمستشفى مصطفى باشا من الجانب الجزائري».
وعبّر الوزير عن أمله في أن يستمر تعاون الجانب الفرنسي، خاصة بعد التجاوب الذي أبداه الرئيس ماكرون، وقال في السياق: «يبدو أن هناك إرادة إيجابية من طرف الرئيس الفرنسي والوقت كفيل بإثبات ذلك».
وشدّد في المقابل، على أن الجزائر لا تطلب شيئا مقابل تسوية عادلة لملف الذاكرة، «نحن نريد استرجاع رفات شهدائنا وأرشيفنا، ونحل المشكلة الكبيرة المتمثلة في التفجيرات النووية». وبشأن مطالب اعتراف فرنسا بجرائمها ضد الجزائريين خلال الحقبة الاستعمارية، قال بوقدوم: «نحن نذهب إلى المعالجة النهائية للمسألة (الذّاكرة) ولو يكون هناك اعتراف فسيسهل الأمور مستقبلا».
وجدّد التّأكيد على أن تحسّن العلاقات بين البلدين، مرتبط بمدى تجاوب فرنسا سلطة ومجتمعا مع التسوية النهائية والعادلة للقضية، «وإذا لم يحدث ذلك، ستظل العلاقات متذبذبة كما هي عليه حاليا، خاصة على مستوى الجالية وتنقل الأشخاص»، يقول الوزير. واعتبر أنّ «ما تتعرّض له الجالية الجزائرية في فرنسا من مضايقات وعنصرية في بعض الأحيان يعود إلى رواسب الذاكرة»، مفيدا بوجود 6 ملايين شخص بفرنسا لهم علاقة مباشرة مع الجزائر.
قوّة الحجّة
في معرض إجاباته على كل ما تعلق بالعلاقات مع فرنسا، كشف رئيس الدبلوماسية الجزائرية، جزءاً من تفاصيل العملية التفاوضية مع الجانب الفرنسي ومرتكزات الجانب الجزائري، الذي يملك كل عناصر الحجة العلمية والتاريخية والأخلاقية التي تجعله في موقع تفاوضي أقوى.
وقال: «طلبنا منهم ألاّ يأخذوا مسألة الذاكرة من الجانب السياسي فقط، وأن يعودوا إلى المصادر التاريخية الفرنسية التي أثبتها مؤرّخون فرنسيّون».
وسرد كيف طلب من نظيره الفرنسي جون إيف لودريان على هامش اجتماع رسمي، بأن «يعود إلى تمرّد يوليو (جويلية) في فرنسا 1848، وكيف رفض فرنسيون إعادة جنرالات الاستعمار الفرنسي في الجزائر مثل ستارنو وبيجو، قائلين: لا نريد عودة هؤلاء السفاحين».
وتابع: «قلنا لهم تصوّروا لو قطع النّازيّون رأس المقاوم الفرنسي جون مولان ووضعوه في متحف برلين، هل كنتم ستقبلون؟ قالوا: مستحيل».
وذهب بوقدوم، أبعد من ذلك، عندما أكّد على أنّ ما فعلته فرنسا بقادة المقاومة الشّعبية، مخالفا «لقواعد الحرب»، إذ تنص كل الاتّفاقيات «على إخلاء سبيل الأسرى بعد نهاية الحرب، لكن فرنسا قامت بقطع رؤوسهم وعرضتها أمام الناس للترويع ثم هرّبتها لتعرضها في متحف باريس ولدى بعض الخواص». ولفت إلى أنّ من الفرنسيين من يدعّم بقوة استعادة الجزائر رفات وشهداء المقاومة الشّعبية.