التشخيص الدقيق للخبراء لحوادث المرور كشف أن العامل البشري يصنف في المرتبة الأولى تليه عوامل أخرى لها علاقة مباشرة بما يقع من مجازر كالنوعية الرديئة لقطع الغيار وغياب المراقبة الدورية للمركبات وتدهور الطرقات وغيرها والسرعة المفرطة.
التوصل إلى هذه النتيجة، مفادها أن المسؤولية المدنية تقع على الإنسان المتمع بكل قواه الجسمية والعقلية وهنا تدرج العناصر المكملة لتلك السلوكات غير المتحكم فيها والتي تتعلق أساسا بالقدرة على التفاعل الإيجابي مع حركة السير في مجملها وبعدم الخروج عن احترام قوانين المرور والإشارات.
وعلى غرار ماذكرناه سالفا فإن الجانب النفسي للسائق لا يستطيع أحد التنبؤ به والسيطرة عليه وهنا يكمن جوهر كل هذا النقاش الذي يجري حاليا في الجزائر بحكم احتلالها المراكز الأولى في أرقام هذه الكوارث بالرغم من الإجراءات الردعية في هذا الشأن والترسانة التشريعية التي اعتمدت على مبدأ العقوبات الصارمة.
ونعتبر بأن المنظومة النفسية في حوادث المرور الحلقة المفقودة في هذا المسعى كوننا لا نستطيع لمسها كما هو معمول به في نطاق آخر كسحب وثائق السيارة وتحرير المحاضر ومايتبع ذلك في تسلسل معرفة حقيقية مايقع في طرقاتنا.
وإلى غاية يومنا لم نفهم نفسية السائق الجزائري سواء صاحب السيارة أو الذي يقود الحافلة أو الشاحنة في تصرفاته مع الآخر في لحظة يريد أن يصل إلى النقطة المراد بلوغها، دون أن يراعي الحد الأدنى من الضوابط القانوية الرادعة التي توضع من أجل حماية أرواح الناس وهكذا نقف يوميا على عينات حية من هؤلاء عبر طرقاتنا سريعة كانت أو عادية في مناورات بهلوانية خطيرة جدا قد تؤدي بحياتهم.
لكن لم نتساءل يوما لماذا هذه الأفعال المنافية للقانون؟ وماذا أصاب السائق الجزائري؟ حتى يرتكب كل هذه الحوادث بشكل قياسي؟ من الصعوبة الإجابة عن هذه التساؤلات لكن في حالة فهمنا لذهنية الشخص قد نصل إلى المبتغى الذي نريده.. وعليه فإن الورشة التي تتطلب فتحها تلك التي تبحث في نفسية السائقين المكلفين بنقل الناس وهذه النقطة الحساسة لم نولها الاهتمام والعناية اللازمتين في ترسانتنا التشريعية بالرغم من أن هناك اتجاها يفضل مقارنة التحسيس على حساب الزجر لكن هذا العمل صراحة بقي محدودا في التأثير على الآخر وهكذا استبدل ذلك خلال السنوات الأخيرة بقاعدة العقوبات غير المحدودة التي وصلت إلى 4000 ينار زائد سحب رخصة السياقة.. ومتابعات قضائية غير أن دار لقمان ماتزال على حالها كنا نعتقد بأن منحى الحوادث في انخفاض وماوقع أنه صعد إلى القمة والقراءات من اختصاص الخبراء أين الخلل يا ترى؟
والسبب الأكثر قناعة هو تحميل الإنسان مايحدث كونه محور كل هذه التعاليق الصادرة من هنا وهناك هذا ما أدى بالسلطات العمومية إلى الإسراع في اتخاذ حزمة من التدابير العاجلة كلها تترجم توجه «التجريم» لكل من يثبت بأن هناك أخطاء جسيمة ارتكبها السائق (السرعة الفائقة، عدم إحترام إشارات المرور، تكديس المركبة، إنعدام أدنى شروط السلامة في السيارة أو الشاحنة أو الحافلة وغيرها).. وهو التحقيق الذي يكشف ذلك.
وقد تم الأعلان عن تلك الإجراءات الأولية ريثما يتم مراجعة قانون المرور وتعزيزه بالتكييف الجديد وهذا بمرافقة هذه الآفة تشريعيا بالتنسيق مع جميع المتدخلين من أجل الحد من تفاقمها وفي هذا الصدد، فإن هناك عملا ميدانيا سينجز لدى الأوزان الثقيلة من خلال التفتيش في المحطات وإعداد بطاقية وطنية تكون بمثابة مرجعية في معرفة خلفية وسوابق السائقين أي متابعتهم.
وهذا العمل المراد السير عليه، من قبل السلطات العمومية يهدف إلى إعادة تنظيم هذا القطاع أي مايعرف بالنقل البري، والمسافرين الذي حقا مازال يعيش فوضى عارمة.. يكفي القيام بإطلالة على أي محطة لتتأكد من ذلك..وجل الحوادث الخطيرة تكون في هذا المستوى.