الحـل السياسـي مسألــة حتميــة
أمام الديناميكية الواسعة والحركية المتسارعة لحل الأزمة الليبية، التي جعلت الجزائر في الأسابيع الأخيرة قبلة للمعنيّين للبحث عن السبل الناجعة لتجنيب الشعب الليبي مآسي الحرب وانتشار الفوضى وحالة اللاّإستقرار، أثبتت بلادنا مرة أخرى موقفها الثابت والداعم منذ اندلاع الأزمة سنة 2011، حينما طالبت بالتعقل وعدم التدخل العسكري، ودفع الفرقاء اللّيبيّين إلى الطاولة للوصول إلى حل سياسي سلمي للمعضلة.
أفاد الدكتور سليمان أعراج، عميد كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية في ندوة نقاش نظّمت بالتعاون بين هذه الأخيرة ومنتدى جريدة «الشعب» حول التطورات التي تعرفها الأزمة الليبية والحركية الدبلوماسية للجزائر، أنّ الملف الليبي أحد أهم القضايا ذات الاهتمام على الصعيد الوطني بالرغم من بعدها الإقليمي، فالحديث عنها يأتي انطلاقا من عدة متغيرات على رأسها مبدأ الجوار، الذي يفرض التعامل بما يفرضه منطق التدخل الأجنبي وتقاطعات المصالح داخل الملف الليبي.
وبخصوص بداية الأزمة، قال أعراج إن الانطلاقة كانت من معركة طرابلس التي عقّدت الوضع، وانطلاقا من انثروبولوجية المنطقة من تأثيرات بسبب الجغرافيا والاقتصاد وحتى المنطق الإثني على الدولة، مشيرا في سياق صعوبة التعامل مع الموقف الليبي، أن غياب مؤسسات قوية تمثل الليبيين زاد الأمر تعقيدا وعمّق الفجوة أكثر.
تداعيــات الأزمـة تمتـــد إلى الوطــــن العــــربي
وأضاف أنّ استمرار الأزمة اللّيبية لها تداعيات وخيمة ليس على تونس والجزائر وموريتانيا فقط بل امتدّت إلى مصر وإنما على الوطن العربي باعتبارها المعبر من منطقة الشرق الأوسط الى منطقة المغرب العربي، والتوجه نحو إعادة رسم ميزان القوى والتأثير على جغرافية المنطقة الذي يراد له أن يمر عبر منطقة ليبيا وللمصالح الموجودة تصفيتها، وهو ما وقفت الجزائر ضده منذ البداية.
ولعل أهم ما أكّد عليه الباحث في العلاقات الدولية موقف الجزائر المشرّف اتجاه القضية منذ 2011 باعتبارها تتعامل مع الدول وليست المجموعات والمؤسسات ولا المليشيات، وهي مسألة مبادئ وأسس لازالت وفيّة لها،مشيرا بشأن استمرارية الصراع في المنطقة الليبية أن استمرار المصالح وتدخّل القوى وراء تعقد الوضع، حتى ما يسمى معركة طرابلس أو الحرب ضد الإرهاب في استناده بتجربة الجزائر في مكافحة الإرهاب باعتبارها تجربة رائدة عالميا وليس إقليميا.
تحييـــد دور القبيلــة وتأثيرهــا علـــى نــــداء المصالحــــة
وما حرّك العجلة وأعاد ليبيا إلى نقطة الصفر - يقول الأستاذ - الأموال التي ضخّت لصناعة واقع جديد لتغيير ميزان القوى ومعادلة التأثير داخل المنطقة، مبرزا دور القبيلة الذي تراجع رغم أنّها من المكوّنات الأساسية للمجتمع الليبي، في إشارة الى تهميش دورها في النداء للمصالحة ودعم الحل السياسي، حيث تمّ تحييد دور القبيلة وضخ أموال لتغليب طرف على آخر وفق غطاء إيديولوجي يهدف إلى التواجد بالمنطقة وضرب الاستقرار وإطالة عمر الأزمة، وهذا ما حدث مع معركة طرابلس وما خلقته من تجاذبات بين القوى الأوروبية.
في ظل التوتر والانفلات والرغبة في ضرب استقرار المنطقة، أصبح الطابع الاستعجالي - يقول أعراج - ضروريا للعودة الى الحل السياسي داخل ليبيا، وهي مسألة أكثر من مهمة على رأسها حالة التردد التي تطبع موقع الدول الكبرى التي تمارس سياسة التردد وعدم الحسم في التعامل مع الملف الليبي، وما يحدث من انزلاقات وانتهاكات داخل المنطقة هدفها مصلحي أكثر من دعم الاستقرار بليبيا.
التجــارة والسّـوق الســّوداء آليتــــان لضــرب الاستقـــرار
ومن النقاط التي تفرض العودة الى حل السياسي - يضيف الأستاذ - دور الأموال وتجارة السوق السوداء التي أصبحت مصدرا لتمويل المليشيات والمرتزقة، وأضحت آلية لضرب الاستقرار وخلط الأوراق بالمنطقة،مشيرا إلى أن الرهانات كبيرة بسبب إطالة عمر الأزمة كون الهدف هو البحث عن طرق لحسم المعركة لصالح من يخدم مصالح القوى الغربية، وخص بالدرجة الأولى 400 أو 500 مليار دولار لإعادة إعمار ليبيا، وهو الرقم الذي أسال لعاب الكثير من الشركات المتعددة الجنسيات، وكذا التكلفة التي تفرضها عملية نقل المليشيات والمرتزقة الذين يرحلون الى ليبيا مقابل المبلغ المادي المغري من 1000 الى 2000 دولار للقيام بمهمات مكلفين بها لخدمة أجندات غربية.
وأكّد الأستاذ في الختام أنّه لا يمكن تغليب منطق القوة على الحل السياسي في ظل حالة الانفلات وغياب مؤسسات قوية داخل ليبيا تعيد التوازن والاستقرار وتضع حدا للظاهرة الإرهابية، وكذا الإنزال الدبلوماسي الذي عرفته الجزائر واللقاءات التي عقدت والاجتماع المنعقد عقب اجتماع برلين لوزراء خارجية دول الجوار، وهو الدور الجزائري الذي يمكن أن يساهم في عقلنة التفاعل مع الملف الليبي والاوضاع في ليبيا انطلاقا ممّا تمتلكه الجزائر من دور وتمارسه من تأثير وحكمة في السلوك والموقف والتوجه والمقاربة في حل الأزمة الليبية.