يرى الباحث الدكتور والأستاذ المحاضر بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة عبد الستار حسين ضرورة اعتماد التاريخ الاستشرافي، والعودة إلى الإستراتجية الجامعة التي تبناها الاجتماع الأخير قبل اندلاع ثورة التحرير لحل الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، وتستدعي توحيد الخطاب وتنازل أطراف المعادلة وتفعيل الذاكرة والهوية لإيجاد حل للمشهد السياسي الصعب.
أوضح حسين عبد الستار خلال ندوة نقاش حول المرجعية النوفمبرية في بناء الجمهورية، أن الإستراتجية الجامعة تعني دخول الجميع تحت مظلة جبهة التحرير الوطني كجناح سياسي وجيش التحرير الوطني كجناح عسكري لإنجاح الثورة، وهو ما يجسّد اليوم في أزمة الجزائر ويستوجب تفعيل الذاكرة والهوية، مضيفا انه في آخر اجتماع قبل اندلاع الثورة في 23 اكتوبر 1954 أعلنوا الثورة باسم جبهة التحرير الوطني وليس باسم الأشخاص أو الأحزاب، وأي محاولة منها للانضمام للثورة تستلزم التخلي عن حزبه وإدخاله كفرد وليس كحزب، وهذا بالنظر إلى فشل التجربتين في الحركة الوطنية التي قرأت التاريخ جيدا لأجل تجسيد ما سماه عبد الحميد مهري الإستراتجية الجامعة.
ودعا الأستاذ إلى توحيد الخطاب بالنظر إلى ما تمر به البلاد من وضع معقد يحتاج إلى فترة للخروج من الأزمة، مستندا في ذلك إلى تاريخ الثورات الذي لا يحسب بالأيام أو الأشهر، كما يعتقد البعض على غرار الثورة الفرنسية التي بدأت في أشهر ومن كانوا ضد التغيير شرعوا فيما يسمى الثورة المضادة التي بقيت لمدة 70 سنة ما يعني أن الثورات تقاس بالسنين، خاصة وأن أصعب شيء في فقه الثورات هو تغيير الأفكار، لذلك فالكثير من الأمم تحاول عبر أكاديميتها تدريس ما يسمى بالإرادة الحضارية أو ما يعرف بإرادة التغيير التي تصطدم دائما بإدراة أخرى لا تغيير من الناحية التنظيرية.
من ناحية الواقع، الجزائر عبر تاريخها عانت أزمات وهو العادي في أي دولة من الدول، خاصة وأن الأزمات في حياة الشعوب تكون نقطة انطلاقة لبداية جديدة ودولة قوية هذا في حال حسن استغلال الأزمات، لكن الخروج منها يستدعي الإبقاء على المؤسسات لا الأشخاص، على اعتبار أن الدول التي تملك مؤسسات قوية تستطيع الخروج من الأزمات، وهذا ما علمه التاريخ بدليل سنة 1954 قبل اندلاع الثورة كانت اجتهادات شخصية من مجموعة 22 ثم مجموعة 5 ثم مجموعة 5+1 اصبحت مجموعة 6 ثم أصبحوا 9 لكن عبارة عن اجتهادات شخصية.
وفي سياق الحلول، أكد الأستاذ ضرورة التنازل بالقدر المعين ودون عصبية لكي لا تغلب المصالح الضيقة والحساسة على المصلحة العامة، وهو ما انعكس سلبا على الحوار الذي لم يستطع ان يجمع كل الأطياف والمشاريع السياسية في الجزائر، وهو المشكل الذي يستدعي المعرفة الأكبر وتفعيل الذاكرة كونها الحل الوحيد.
خلافات الثّورة يجب أن تدرس في مخابر مغلقة بين النّخب
أكّد الأستاذ في سياق تحريف وتزييف تاريخ الجزائر الذي يعتبر تاريخا عالميا وعظيما، أن الدارسين له والعارفين به لا يجب أن يركزوا على خلافات الثورة بل على مواقفها الايجابية التي تشجع الأجيال على معرفتها والاطلاع عليها، كون أن الأمر جد خطير واستثنائي، مشددا على ضرورة تدريس خلافات الثورة في مخابر مغلقة بين النخب وتلقين المواطن الايجابي لتشجيعه على قراءة التاريخ على غرار ما يدرس بالأكاديمية العسكرية الذي يأخذ منه القدوة والعبرة لإيجاد الحلول وعدم الوقوع في الأخطاء، في حين المواقف الايجابية هي من يبنى عليها التاريخ التثقيفي الموسوعي لأن بناء سلم قيم في المجتمع يستوجب التسويق للقيم الأخلاقية وقيم الثورة الايجابية وليس الحديث عن التراشقات السياسية بين الأفراد والناتجة عن خلافات شخصية لا تخدم الثورة بتاتا.