تاريخنا عظيــم وثورتنــا سلميـة شعبيـة بإمتيـاز

أخبث ما قامت به فرنسا هو إفراغ تاريخنا من محتوياته الإيجابية

سهام بوعموشة

أكد الدكتور حسين عبد الستار أستاذ التاريخ بالمدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة، أن أخطر ما قامت به فرنسا هو إفراغ تاريخ الجزائر من محتوياته الإيجابية عبر كتب كولونيالية، مبرزا رمزية أول نوفمبر 1954، في صورة شعب مظلوم أغتصبت أرضه وأريد له الإبادة الجماعية، مشددا على ضرورة العودة للتاريخ لإيجاد حلول للأزمة التي نعيشها.
قال الدكتور عبد الستار لدى نزوله ضيفا على جريدة «الشعب» أن تاريخ الجزائر كبير وعظيم يشهد له العدو قبل الصديق، معطيا مثالين عن قوة تاريخنا  وهما مقولة الزعيم نيلسون منديلا أحد فحول الأحرار في قارة إفريقيا عن الجزائر أنها هي من جعلت منه رجلا، ومقولة أكبر زعماء غنيا بيساو أملكال كابرال :»إذا كانت روما عاصمة المسيحيين ، وكانت مكة عاصمة المسلمين فإن الجزائر قبلة الأحرار والثوار في العالم».
وأشار إلى أنه من  رمزية أول نوفمبر 1954 هي رمزية المظلوم، بمعنى أن الثورة الجزائرية صورة رائعة لشعب مظلوم أغتصبت أراضيه وأستبيح عرضه وأريد له الإبادة الجماعية، مضيفا أنه لم ير في تاريخ الأمم شعباً تحمل ما تحمله الشعب الجزائري ومادام هذا الأخير تمكن من العيش إلى غاية 1954 ، معناه أن هذا الشعب يحمل في جيناته فكرة الحرية والصمود والتضحية وعدم الإنصياع ، فكرة أن الموت والحياة شيء واحد، عبر التاريخ الروماني ، الوندالي ثم الإستعمار البيزنطي إلى يومنا.
في هذا السياق أكد أن الحفاظ على الذاكرة تبدأ بالبحث في التاريخ عن حلول كون الأمة  تعيش أزمة ، بحكم  أنها مرت عبر التاريخ بأزمات، مستشهدا بمقولة  الفيلسوف الروسي نيكولا بردياف :»إن عهود النكبات في التاريخ الإنساني، كانت دائما حافزا للعودة للتاريخ في تفسيره وتعليله»، قائلا:» الأجيال القادمة ترك لها أجدادها رصيدا وإرثا تاريخيا وأول نوفمبر هو مرجعية واحدة من مرجعية الشعب الجزائري التاريخي»، مشيرا إلى أن  أخطر ما قامت به فرنسا في الجزائر ليس قتل الجزائريين فهي لم تكتف بإستغلال ما تحت وما فوق الأرض واستعباد الجزائري وجعله سلالة مقهورة يمثل دور العبيد في الجزائر ، هو أنه بعد الإستقلال مباشرة سعت الإدارة الفرنسية، من خلال قيادتها السياسية والعسكرية إلى العمل على إفراغ تاريخ الجزائر من محتوياته الإيجابية عبر كتب كولونيالية.

علينا كتابة التاريخ الإستشرافي

أوضح الدكتور حسين عبد الستار أن فرنسا حين دخلت إلى الجزائر أسست مدارس لكتابة تاريخ الجزائر وتزييفه، عن طريق مجموعة من العمليات المعقدة بفسخ ومسخ تاريخ الجزائر وتزييفه والعمل على تذويب الجزائر، كما أن مسخ التاريخ يجعلنا بدون مرجعية وهذا هو أكبر مشكل نعانيه اليوم، كون فرنسا تعمدت  تزييف تاريخنا من خلال مدرستها الكولونيالية،متأسفا على أن بعض المؤرخين في الجزائر بعد الإستقلال من غير المتمرسين أو عمدا أو سهوا اتبعوا هذا الطريق.
وحسب الأستاذ الجامعي فإننا، لحد الآن لم نكتب تاريخنا وما كتب من الإستقلال إلى يومنا هذا هو تاريخ رسمي، هذا الأخير نحتاجه لما تكون الدولة غير مستقرة بكتابة الأمور الإيجابية فقط، لأنه في هذه الحالة نحتاج لإستقرار الدولة وبناء المؤسسات، في حين التاريخ الحقيقي هو التاريخ الأكاديمي الموضوعي الذي يكتب عادة بين النخب وفي الجامعات.
 وأضاف أن  هناك تاريخ أخر يستنجد به أثناء الأزمات ونسميه التاريخ الإستشرافي، وهو التاريخ الذي يعتمد فيه على الجانب الإيجابي لأننا نحتاج في هذه الفترة رفع معنويات الشعب الجزائري، وهذا في حالات الأزمات فقط، مضيفا أن  تجارب الدول في العالم  تثبت ذلك معطيا مثالين الأول نابليون بونابرت الذي عرف في حياته بالدموية والحروب لكن فرنسا تتحدث عنه  كرمز من الرموز،  ونفس الأمر بالنسبة للرئيس الأمريكي جورج واشنطن الذي أباد قبائل الهنود الحمر لكنه يمجد في الولايات المتحدة .
وقال أيضا أنه للأسف في الجزائر إذا كان قائد من المقاومة الجزائرية السياسية أو غيرها عشرين سنة يقدم الكثير للوطن وبمجرد أن يخطئ نسود له صورته، والمثال على ذلك الأمير عبد القادر فهناك من يعتبره بطلا والأخر يخونه ونفس الأمر بالنسبة لمصالي الحاج ، مضيفا أن هذه الثقافة يجب أن لا تسود في المستقبل ، وهذا ما يقودنا لضرورة كتابة التاريخ الإستشرافي.
في هذا الشأن نبّه الدكتور عبد الستار لما تكتبه فرنسا عن تاريخ الجزائر، مشدّدا على ضرورة الربط بين جيل الأمس وجيل اليوم، حتى نعبد الطريق للحفاظ على الأجيال القادمة لأن هذه الأخيرة تعاني تحديات محلية، إقليمية ودولية، وفي جميع الميادين خاصة وأن العالم أصبح عبارة عن قرية صغيرة، وكذا يجب جمع كل ما له علاقة بالتاريخ من الأشياء التاريخية ، الأرشيف، الشهادات  لأجل الوصول لكتابة التاريخ، ووجوب التأكيد على العمق التاريخي للدولة الجزائرية في المناسبات عبر الإعلام والوسائط الإلكترونية وفي كل ما يمكن أن يوعي الشباب في هذا المجال.
وأبرز الباحث في التاريخ أن،  مشكلة الجزائر هو عدم الاستثمار في الإنسان مثلما فعلت الدول التي إستطاعت أن تخطو خطوة مهمة جدا سواء في التنمية الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية بحيث استثمرت في الإنسان والتجربة الكورية الرائدة أحسن مثال كونها أحسنت الاستثمار في الإنسان، قائلا:» نحن بحاجة إلى بناء الشباب على تركة الماضي، وذلك لا يتأتى إلا بإستعادة التاريخ في المنظومة التربوية التي تعاني حالة كارثية ، وللأسف نخرج كفاءات ومسؤولين أغلبيتهم لا يملكون الهوية الوطنية، وهذا مشكل كبير لأن المسير يجب أن يملك هوية وطنية كي يتمكن من الإتجاه نحو بناء الوطن».

على شباب اليوم استلام المشعل وتحمل المسؤولية
طالب عبد الستار الشباب بتحمل مسؤوليته بتأسيس ما يسمى بنظام المناعة والأمان والوقاية، لأن أغلبية الشباب يعتبرون التاريخ مزور، فذاكرته مشوشة لأن بناء الذاكرة يحتاج إلى الهوية، والمعرفة،  وحسبه فإن الذين حققوا لنا الإستقلال لم يحسنوا توظيف هذه الذاكرة، وللأسف فإن الجامعات الجزائرية مصنفة في أخر الترتيب. مشيرا إلى أن  الثورات الأمريكية، الفرنسية ، البريطانية والروسية هي ثورات محلية وليست عالمية  تحولت إلى معلم من معالم التاريخ الإنساني لأن هذه الدول أحسنت توظيف هذه الثورات، ونقلتها إلى العالمية عن طريق التسويق لها في كل الوسائل السينما «هوليود والمحافل الدولية ووسائل الإعلام المسموعة والمكتوبة وعبر شعاراتها.
عكس الجزائر التي لم تحسن تسويق تاريخها للعالمية ولها أعظم ثورة، فمثلا فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا قامت بعمليات فدائية عبر تنظيماتها بباريس، بلجيكا، سويسرا وخاصة ألمانيا ففي  24 و25 أوت 1958 بدأ نوفمبر بفرنسا، حسب شهادات عبد القادر بخوش ومحمد غفير، في تلك الليلية 283 عملية فدائية استهدفت 12 مصفاة، رغم ما قامت به جبهة التحرير بأوروبا إلى حد الآن لم نتمكن من تنظيم ملتقى بألمانيا أو النمسا للتعريف بتاريخنا الذي هو تاريخ عالمي، أضاف.
 في هذا الصدد، أبرز عبد الستار أن  ميزة ثورتنا تمكنها من نقل ميدان المعركة من الجزائر  إلى عقر دار العدو بشهادة الجنرال جياب، لأنها كانت ثورة شعبية بإمتياز وسلمية هدفها التعريف بمبادئها في المحافل الدولية فاضطرت لحمل السلاح بسبب الإبادة والتصفية التي بدأتها فرنسا منذ 1830، كما أنها في عز الأزمة تفكر في إستقلال جيرانها ، وهذا ما يظهره  بيان أول نوفمبر1954.

علينا التحلي بالإرادة الحضارية لبناء دولتنا

وأكد أنه لولا إحتضان الشعب الثورة لما نجحت، فالصراع كان حول من يستطيع إستمالة الشعب الجزائري المسلم إلى جانبه، بحيث استخدمت فرنسا كل وسائل الإعلام وما تملكه من آلة عسكرية ودبلوماسية لإقناعهم بأن المجاهدين فلاقة وخارجون عن القانون ، لكن جبهة التحرير الوطني بدأت بما يسمى المعركة المضادة فأصبحت لها مؤسسات قائمة بذاتها عسكرية وإعلامية وبنخب، كما أن ثورتنا وصلت إلى مرحلة من الديمقراطية لم يعرفها التاريخ من قبل.
في هذه النقطة ساق الأستاذ مثالا  وهو أنه في سنة 1956 تم في مؤتمر الصومام تأسيس المجلس الوطني للثورة بمثابة برلمان يضم 34 عضوا، 17 دائمين و17 مؤقتين يتشكل من كل مكونات الطبقة السياسية والمجتمع المدني في الجزائر، عكس اليوم لم نستطع الجلوس على طاولة واحدة رغم الشهادات العلمية  التي نملكها والتجربة السياسية ، مضيفا أن يجب أن يكون هناك وعي فردي وجماعي أي الإرادة الحضارية  بمعنى القدرة على التغيير.   

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024