لســــــــوء الحـــظ أعــــــرف

رميساء شرفي

أبدو مثيرة للشفقة، أليس كذلك؟ 
أعلم .. وأكره معرفتي بالأمر.
 أتمنى في لحظات كثيرة لو أنني ما زلت بذلك القدر من الجهل بحيث ألصق كل التهم على جبين أحدهم، وأصرخ في وجهه بأعلى صوتي «أكرهــــــك».
 لكنني ولسوء الحظ، مدركة تماما أنني المذنبة الوحيدة في هذه الحكاية، والضحية الوحيدة أيضا.
يدفعني هذا إلى كره نفسي وخوض حرب طويلة معها، حرب لا تود أن تنتهي بأي شكل.
 أحاول كثيرا أن أجمع أطراف حياتي وأعيد عجنها ودمجها وتقطيعها على شكل حياة جديدة، أكثر جمالا واتزانا.
أحاول التحكم في تدفق الغضب الذي يحدث فجأة في داخلي، ويفيض دائما على الأشخاص القريبين مني.
يؤذيهم، يبعدهم مسافة أخرى ويفصلني عن نفسي بشكل مؤلم.
يجزئني الى اثنين، أو ثلاثة، أو قبيلة من «الأنا» المختلفين جدا حدّ التناحر.
 تتطاير الأشلاء، تعم الفوضى، ويخسر الجميع.
عندما كنت صغيرة؛ كنت أقضي وقتا طويلا في التخيل، كنت أألف قصصا قبل النوم.
قصص صامتة يتحرك فيها كل شيء بدون صوت.
كنت أعتقد ـ ربما ـ أن الأحاديث والكلمات سبب المشاكل.
أن الأصوات مؤذية وتتسبب في إنهاء القصص السعيدة، وتمزيق حواف القلوب وحفر ثقوب صغيرة في الروح تُسرب الأشياء الجميلة ببطئ.
 أظن أن طفولتي كانت سعيدة، لأنني كنت أزيل الأمور السيئة من الصور والحكايا وأشكل منها مشاهد اكثر جمالا في مخيلتي..
 كنت بريئة وساذجة وأعتقد أن الأمر كان رائعا وجنونيا.
أما الآن، فقد كبرت! كبرت بشكل سيء.
أصبحت أزيح تلقائيا كل اللحظات الجميلة وأعيد تركيب المشاهد بأسلوب حزين وقبيح جدا.
قبيح حتى بلا صوت!
ثم أبكي بمرارة، فيندمج الصوت بالصورة و يكتمل المشهد القاسي.
 مشهد سيتسرب من رأسي يوما متحولا إلى واقع.
حسنا، كل ما أرغب فيه هو التوقف!
التوقف عن رؤية كل هذا الحكايا البائسة، التوقف عن كوني كبيرة بما يكفي لـ»أعرف»
والتوقف عن الشعور بالأمور بكل هذا العمق لأنه أمر متعب..
 متعب جدا.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19756

العدد 19756

الخميس 24 أفريل 2025
العدد 19755

العدد 19755

الأربعاء 23 أفريل 2025
العدد 19754

العدد 19754

الثلاثاء 22 أفريل 2025
العدد 19753

العدد 19753

الإثنين 21 أفريل 2025