آخر الرّجال الطيّبين

حركاتي لعمامرة

لأوّل وهلة تراه يخيل لك أنًه شرير، ولكن من أول ما تكلمه أو تتعامل فقط، تتغير نظرتك له دورة زمنية كاملة، كل سكان قريته يحبونه، ليس ذلك فحسب بل حتى كل القرى المجاورة...
تقول الحكاية الشعبية إنه قادم من اليمن، وأخرى تقول أنه جاء من مكة لكن ما يهمنا الآن أنه تجاوز التسعين من عمره، وهو يعيش بيننا كالملاك الطاهر لا تسمع من فيه إلا تمتمات الحوقلة والحمدلة وتبارك الرحمان، ولا تراه إلا ماشيا بخطى ثابتة نحو بيت الله لأداء الصلاة أو لقضاء حاجة من حاجياته إنًه عمًي محمد الطاهر وزوجته أم هاني ...
ولئن حرم من نعمة الأبناء إلًا أنّه رزق نعمة الزوجة الوفية التي كانت طول حياتها شجرة وارفة الظلال، تزوّج بها خلال ثورة التحرير على أمل السفر معها إلى الحجاز، ولكن إرادة الله كانت أقوى، امتهن الفلاحة والرعي فاكتسب منهما الصبر والحكمة وعلمته سنوات الثورة القناعة والرضا بالقليل..فإذا مرّ سائل بباب داره كان سباقا للتنازل له عن وجبته لينام ليلته قانعا هانئا مرتاح البال...
أبناء القرية كلهم يحبونه، وإن لم يسمعوا له صوتا لرزانته وقلة جلوسه في تجمعات أهل الحارة، غير أنًه بين الحين والحين يقضي الساعات الأخيرة من النًهار وقبيل المغرب بقليل في جلسة حميمية مع حفناوي وحمة الأخضر وبشير والنوي ومعمر، حيث يتزعم الجلسة ابو الجميع حفناوي بنكته التلقائية ليروح عن نفسه قليلا، ولا يلج البيت إلا متأخرا بعد صلاة العشاء...
قليلون هم أمثاله من الطيبين في قريتنا الهادئة التي أحبها وأحب أم هانئ شريكة حياته، وكل الود والمحبة للجزائر.
يؤلمه وضع البلاد كلما وجد شابا يريد الهجرة ومغادرة البلاد، أحبّ أن يرى هذا الوطن الذي آواه وأعطاه الأمان أن يكون في مقدمة دول العالم، واليوم وهو في أرذل العمر يرجو للبلاد رجلا صالحا يقود البلاد وينشر العدل ويقضي على الفقر..طيبة روحه طيبة هذا الوطن ليبقى عمي محمد الطاهر آخر الرجال الطيبين.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19473

العدد 19473

السبت 18 ماي 2024
العدد 19472

العدد 19472

الجمعة 17 ماي 2024
العدد 19471

العدد 19471

الأربعاء 15 ماي 2024
العدد 19470

العدد 19470

الثلاثاء 14 ماي 2024