بائع العقاقير

سعيد فتاحين

في ذلك المساء البارد من أيام رمضان اختطفني صديقي «موسى القارورة» من البيت في رحلة البحث عن حاجيات في السوق أو بالأحرى «المارشي»، كانت النماذج البشرية بين الرائحين والغادين يحدقون إلى مختلف السلع المعروضة على رصيف من «بيض العرب» و»الكانطالو» وبين جموع العجائز تتوسط عجوز باذخة العمر، محدوبة الظهر، موشومة الوجه تبيع «التشيشةَ» وهو طبق الشوربة التقليدي وتتسامر الحديث طوال النهار حول العائلات وبعض الشباب المفقودين في العشرية السوداء، لفت انتباهي أم تحمل على ظهرها طفلٌ صغير وتبيع سلال «الدوم» وبين تلك المشاهد التي افتقدناها في زمن الكوفيد، وصلنا إلى متجر صغير بنافذة مطلة على السوق، عُرض فيها كلوحة فنية أهم الحّنة الموجودة، وعلى مدخل المتجر كانت تصطف أكياس القمح المفتوحة بشكل دائري حيثُ توجد داخلها أهم العقاقير من «راس الحانوت»، «القرنفل الأحمر»،»السانوج» ،»الفلفل» بأنواعه، وباقي السلع وحين دخولنا اصطدمنا بجمع من الحشد على طابور الصغير لمحل عمي علي بين الباحث عن زيت التمر، والباحث عن الحبة السوداء، والباحثة عن حّنة الهنودة، كان عمي علي منهمكاً في تلبية حاجات المشترين، لكي تقول إحدى الأمهات» والله يا عمي علي راك راحم الفقراء»، داخل المحل الصغير الذي تفوح منه روائح زكية تجعلك تشعر بالعطس كل ثانية، تجلت العديد من الألوان والأشكال الضائعة، مرت الأيام وتعاقبت السنين حيثُ عاد عمي علي يضع كرسيه على مدخل الدكان ويغفو في مرات عديدة، فقد نقص البيع واندثرت السلع حيثُ بات كل شيء مُعلبا بمواد كيمائية حافظة، وباتت تجارة العقاقير كمهنة قديمة جداً تواجه مصير الزوال.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024