ألا تتساءل، وأنت ترفع بصرك إلى السّماء، كيف يغيب القمر فجأة عنك وهو الذي تعوّدت أنْ تراه دليلًا في ليلك؟
أليس غيابه تحت ظلّ الأرض آيةً على صدق الوعد في قوله تعالى: «فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ». (سورة القيامة: الآية: 7–8)؟
انظر كيف يجتمع العلم بالقرآن في مشهد واحد: الأرض في المنتصف، والشمس في مواجهة، والقمر في الطاعة.
في لحظة واحدة يتحقق قانون الجاذبية الذي لا يختلّ، ويُبرهن للإنسان أنّ هذا الكون نظامٌ محكَم لا فوضى.
فهل تظن أنّ الحساب الدقيق لمسارات الأفلاك جاء صدفة؟
وهل يجوز لعقلٍ منصف أنْ يشهد هذا النظام ثم يُنكر قائده؟
تأمّل معي ثانية أيّها القارىء لمقالي: لماذا يختار القمر أنْ يختفي ليعود؟
أليس في ذلك إشارة إلى أنّ النور لا تُدرك قيمته إلا حين يُفتقد؟
ألا يذكّرك هذا بدورة الحياة والموت والبعث؟
وكيف يغفل القلب عن أنّ الذي أحيا القمر بعد كسوفه قادرٌ على أنْ يحيي العظام وهي رميم؟
دع عقلك يجيب: أيّ خطاب أقدر على الجمع بين الدقة العلمية والرهبة الوجودية سوى القرآن؟
وأيّ كتاب غيره قدّم تفسير الخسوف والكسوف ببلاغة موجزة وصدق لا يعتريه خلل؟
قال تعالى: «لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ». (سورة يس: الآية: 40).
فانظر، وتأمّل، واسأل عقلك وقلبك معًا: أليس الخسوف دعوة للتفكّر؟ أليس هو تذكير بأنّ النور قد يُحجب، لكنّه لا ينطفئ أبدًا؟
سيعود القمر بعد خسوفه، وسيعود النور إلى مداره مهما طال احتجابه، فدورة الأفلاك درس للوطن الأسير الحزين بأنّ الليل مهما تمدّد فإنه يحمل في صميمه بشارة الفجر، وإذا كان الخسوف آية على دقة النظام الكوني، فهو أيضًا وعد رمزي بأنّ العتمة مرحلة عابرة، وأنّ الحرية قدر الشعوب التي لا تنكسر.
سيشرق الوطن من جديد مكلّلًا بالضياء، شاهداً أنّ ليل الظلم لن يحجب شمس الحق، وأنّ انبلاج الفرج حتمي كحركة السماء التي لا تحيد عن مسارها.