تفنيـد السّرديــة الصّهيونيـة:

لماذا لا يملك اليهود حقًا في فلسطين؟

بقلم: نهى عودة - كاتبة وشاعرة فلسطينية

 الرّواية الصهيونية عن «أرض الميعاد» مبنية على إسقاطات لاهوتية وأساطير توراتية لا سند لها في الجغرافيا الفلسطينية. فكل ما كُتب في التوراة عن الخروج، والتيه، والفتح، والممالك القديمة، لم يترك أي أثر مادي أو تاريخي في أرض فلسطين أو صحراء سيناء. ومع ذلك، جرى استغلال هذه الرواية الدينية منذ القرن التاسع عشر لفرض مشروع استيطاني استعماري تحت غطاء «الحق التاريخي».

الحقيقة التي تكشفها الأبحاث الحديثة والوثائق الدولية هي أنّ هذا الادّعاء يتهاوى أمام أربع حقائق كبرى: القانون الدولي، غياب الأدلة الأثرية، البعد الاستعماري السياسي، والحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني.

المحور الأول: القانون الدولي ينفي شرعية الاحتلال

محكمة العدل الدولية (2004) في رأيها حول الجدار العازل أكّدت أن بناء الجدار والاستيطان يخالفان القانون الدولي ويقوضان حقوق الفلسطينيين.
محكمة العدل الدولية (2024) أصدرت رأيًا استشاريًا جديدًا اعتبرت فيه أن الوجود الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة «غير شرعي»، وأنّ سياسات الضمّ تمنع الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير.
مجلس الأمن (القرار 2334 – 2016) شدّد على أنّ المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية «لا شرعية لها»، وتشكّل «انتهاكًا صارخًا» للقانون الدولي.
الخلاصة: القانون الدولي نفسه هو المرجع، وهو يرفض تمامًا ادعاء أي «حق تاريخي» لليهود في فلسطين.
المحور الثاني: غياب الدليل الأثري والتاريخي
رغم أكثر من قرن من الحفريات في فلسطين وسيناء، لم يظهر أي أثر يدل على الخروج من مصر أو الغزو التوراتي أو حتى مملكة داوود وسليمان.
فنكلِشتاين (جامعة تل أبيب) ونيل سيلبرمان (باحث أمريكي) في كتابهما التوراة التي لم تُكتشف (2001) أكّدا أنّ الروايات الكبرى في العهد القديم ليست إلا نصوصًا متأخرة بلا أساس أثري.
زئيف هرتسوغ (عالم آثار بجامعة تل أبيب) كتب عام 1999 في صحيفة هآرتس: «لا يوجد دليل على الخروج من مصر، ولا على غزو كنعان، ولا على مملكة داوود وسليمان كما وردت في التوراة».

الخلاصة: فلسطين لم تشهد تلك الأحداث كما تُروى، ما يعني أنّ السردية الصهيونية لا تستند إلى علم ولا إلى تاريخ بل إلى نصوص دينية مجرّدة.
المحور الثالث: البعد الاستعماري والسياسي
اختيار فلسطين لم يكن نتيجة «حق تاريخي» بل نتيجة قرار استعماري غربي:
في المؤتمر الصهيوني السادس (1903) طُرح رسميًا «مشروع أوغندا» كوطن بديل لليهود، كما دُرست خيارات في الأرجنتين وإفريقيا الشرقية.
لكن بريطانيا رأت أنّ فلسطين هي الأنسب لمصالحها الاستراتيجية والسياسية، خصوصًا قرب قناة السويس.
منذ عام 1865 تأسّس في لندن «صندوق استكشاف فلسطين» (Palestine Exploration Fund) بهدف «علمي»، لكنه عمليًا كان أداة لربط جغرافيا فلسطين بالتوراة وتبرير مشروع استيطاني لاحق.
الخلاصة: ربط اليهود بفلسطين كان خيارًا استعماريًا سياسيًا وليس حقيقة تاريخية.
المحور الرابع: الحقوق الإنسانية والواقع المعاصر
القانون الدولي يحظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة وتهجير السكان الأصليين.
سياسات (الصهاينة) الحالية: الاستيطان، التهجير القسري، الحصار، والجدار، كلها موثقة وتُعتبر خروقات جسيمة.
الشّعب الفلسطيني يعيش على أرضه منذ قرون طويلة، وحقه في تقرير المصير لا يُلغيـه خطاب أسطوري وُلد في أوروبا القرن التاسع عشر.
الخاتمة
 إنّ السّردية الصهيونية ليست إلا بناءً لاهوتيًا مُسقطًا على جغرافيا لا تمت للتوراة بصلة. لا وجود لأثر يربط قصص التوراة بفلسطين، بل إنّ باحثين صهاينة كبارًا كفنكلِشتاين وهرتسوغ اعترفوا علنًا بانعدام الدليل. القانون الدولي، من جهته، حسم بأن الوجود الصهيوني غير شرعي، وأن الاستيطان والضم انتهاكات صارخة. أما السياسة، فقد أثبتت أن فلسطين كانت خيارًا استعماريًا لبريطانيا أكثر من كونها «أرض الميعاد».
إذن، لا سند تاريخيًا ولا أثريًا ولا قانونيًا يدعم ادعاء «حق اليهود في فلسطين». هي سردية استعمارية حديثة، بينما الحق الثابت والحقيقي هو حق الشعب الفلسطيني في أرضه وتاريخه ومستقبله.
المراجع
محكمة العدل الدولية، الرأي الاستشاري حول الجدار (2004).
محكمة العدل الدولية، الرأي الاستشاري بشأن الوجود الصهيوني (2024).
مجلس الأمن، القرار 2334 (2016).
Israel Finkelstein & Neil Asher Silberman، The Bible Unearthed، 2001.
Ze’ev Herzog، Deconstructing the Walls of Jericho، Haaretz، 1999.
كمال الصليبي، التوراة جاءت من جزيرة العرب، 1985.
فرج الله ديب، التوراة العربية وأورشليم اليمنية، 1994.
Palestine Exploration Fund (تأسس 1865، لندن)

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19872

العدد 19872

الأربعاء 10 سبتمبر 2025
العدد 19871

العدد 19871

الثلاثاء 09 سبتمبر 2025
العدد 19870

العدد 19870

الإثنين 08 سبتمبر 2025
العدد 19869

العدد 19869

الأحد 07 سبتمبر 2025