استيقظ الوحش الكاسر في داخلي حملت مذكرتي وحاولت الكتابة، أمي تناديني، وأنا أرتجف وأبكي على كتف الكلمات، صرخت أعماقي: لماذا أكتب؟ ولمن أكتب؟
يئست من الكتابة، الكتابة لا تجدي في زمن الصّمت والتّخاذل، الكتابة لا تطعم جائعا ولا تقاتل.
أرهقتني أصوات الإعلاميين والمحللين والظّالمين، أبكتني أنّات المتألمين والنّازحين الصّابرين، صرخت أعماقي:
أيا عرب..أيا مجوس، أيا عجم أيا هندوس، أيّها العابدون والملحدون والمؤمنون والكافرون، أناديكم..أشدّ على أياديكم..افتحوا المعابر..نعاني نقصا في صحة الأبدان والطعام والماء والأمان، جثث مكومة هنا ومتناثرة هناك، تنتظر المزيد من الأكفان.منازلنا عانقت الأرض، طرقنا المقصوفة تنهض من صدمتها، وتصرخ: أرجوكم كفى.
هياكل بيوت بقيت من رفاهية مدننا الرائعة، أسدلت على نوافذها المفقودة أكياسا من النايلون والكرتون، لا أبواب لها ولا سقوف فيها، بشر يتحركون فوق ردمها يبحثون عن حياة في كنفها.
أركض ومن حولي الناس تتمايل تعبا كالسّكارى وما هم بسكارى، أصابنا الذهول والبكاء والإعياء.
صواريخ تدبّ على الناجين، تشتت أشلاءهم وتخفي آثارهم، وتمسحهم عن خارطة الوجود.
نواصل الركض، نهيم في علياء خوفنا، مسيرات رعناء تلاحقنا،
مشاف تخلي مرضاها مجبرة، والمرافقون يركضون بأسرّة مرضاهم على طرقات مشوهة الملامح، صرخ قلبي الموجوع: من يهتم لأوجاعنا؟ من يشعر بذبحنا؟ نحن المنبوذون في عالم الضعفاء، المنسيّون في قلوب الجبناء، مقطوعة عنا اتصالات الإغاثة ونخوة الأحرار، تقطعت بالانسانية سبل الوصول.
المجوّعون يواصلون السير في طرق غارقة بالدماء، تسأل فضاء نزوحها: وين نروح يا ربي؟ وين نروح يا الله؟ يا ربي رحمتك، تعبنا.
ولا أماكن صالحة للاختباء ولا منازل قائمة للاحتماء.