حـين يشحب الذّهب في أعــين العابريـن

بقلم: غدير حميدان الزبون

 تمرّ بك في الحياة محطّات، لا تشبه الأرصفة الثابتة، بل تشبه محطات القطار الوهمي في أحلام الطفولة، يهبط فيها أناس كأنهم من دفء روحك، من ملح مائدتك، من ظلّك في ظهيرة الوحشة.
تصادفهم فتخالهم من شجرة قلبك، أغصانهم تشبهك، وتربتك تحتضن جذورهم. يضحكون فتطمئن، يبكون فتفتح صدرك مأوى. تتقاسم معهم الوقت كأنّه كنز، وتنثر في طريقهم دعواتك كزهور نادرة لا تعرف الذبول.
تقول في نفسك: “ها هم، رفاق العمر، إخوتي في الغيم، من يشبهونني حين أصمت ويقرؤونني دون ترجمة”.
وتغادرهم ذات منعطف، لا خيانة ولا خصومة، فقط عبور الزمن بين محطتين.
لكنّك، بعد الفراق، تلتفت ذات مساء فلا ترى الودّ الذي غرسته، بل شوكًا نبت في غيابك.
ترى وجوهًا كانت قناديل، صارت أقنعة.
تسمع كلماتهم وقد صارت سمًّا يسيل من أفواههم، بعدما كانت من شفاههم شِعرًا يُطهِّر الريح، وتتفاجأ من أعمالهم وأذاهم.
تكتشف أن ما حسبته ذهبًا خالصًا لم يكن سوى طلاءً على صدأ.
أنّهم لم يكونوا مرآتك، بل سكاكينها.
هؤلاء ليسوا من طينة البشر الطيّبين، بل من فصيلة “الأقنعة الآكلة”.
يتغذّون على طيبتك، يشربون من صفائك، ثمّ يبصقون في البئر ذاتها.
فاحذر.
ليس كل من شاركك الطريق يستحق الدعاء في الغيب،
وليس كل من ضحك في حضرتك يحبّك،
وليس كل من سمّيته صديقًا، نجا من مرض القلوب.
هؤلاء هم الداء الذي لا دواء له،
هم تجلّي الفساد في هيئة بشر،
يتسلّلون إلى حياتك كظلّ في الظهر،
ثمّ يثقبون قلبك ببطء، بألف غدر صغير، وبأذى كبير.
لكن لا تغيّر معدنك لأجلهم.
ابقَ ذهبًا.
فالذّهب لا يصدأ، حتى لو أُلقي في الطين.
وحده النهر يعرف نقاءه.
وحدها الحياة ستكمل دورتها، وتُعيد لكل قلب
ما زرع.
وأنت، إذ تمضي إلى محطتك القادمة، لا تحمل أذاهم، بل علّم قلبك أن يكتفي بالعِبر، ثمّ امضِ خفيفًا فقد وُلدت لتكون طيبًا، لا حطبًا في محرقة الحقد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19825

العدد 19825

الخميس 17 جويلية 2025
العدد 19824

العدد 19824

الأربعاء 16 جويلية 2025
العدد 19823

العدد 19823

الثلاثاء 15 جويلية 2025
العدد 19822

العدد 19822

الإثنين 14 جويلية 2025