اسمـي شـادن

بقلم: بهاء رحال

اسمي شادن، وبعد يومين أُتمّ الثامنة من عمري، حيث وُلدت في شرقي الشجاعية لعائلتي التي أحبّها كثيرًا، وأدعو الله صباحَ مساء أن يحفظها وينجيها من ويلات الحرب، ومن نيران القصف، ومن عبث الجنود.

أقطن في خيمة بعدما دمّرت الطائرات بيتنا في الشجاعية، وهدمت بيوت الجيران الأخرى، ولم تسلم غرفة نومي، ولا دُميتي التي كانت تنام إلى جواري كلّ ليلة، حيث احترقت تحت ركام البيت. أبناءُ وبناتُ جيلي أنهَوا دراسة الصف الثاني الأساسي، أمّا أنا، فقد ضاع عامان ولم أَلتحق بالمدرسة، ولم أتعرّف على الطريق إليها.
فمنذ عامين أصحو صباحًا، وأخرج نحو التكية في انتظار وجبة طعام للعائلة، وقد لا يُحالِفني الحظ، فأعود بلا طعام، ونقضي اليوم بلا أكلٍ ولا شرب، وكثيرًا ما مرّت الأيام علينا ونحن جوعى وعطشى.
هكذا هي أيّامي، بين الخيمة والتكية، ووسط الخراب والدمار، وفي ثنايا الوقت أسمع حكاياتِ من هم أكبر منّي بعامين أو أكثر عن طابور المدرسة الصباحي، وعن جرس الحصص، وعن أشياء لم أعِشْها ولم أتعرّف عليها، فقد قضت هذه الحرب على كلّ شيء، وسلبتْ أيّامنا وأحلامنا، وقضمتْ أعمارنا ووهج الغد فينا، وإن سألتموني عن أمنيتي، فهي بسيطة جدًا، فقط أن أستيقظ ذات صباح على صوت عصفور لا على قصف الطائرات، وأن أحمل حقيبتي المدرسية في الصباح بدلًا من البحث عن كيس الخبز أمام التكية، وأن أعود إلى غرفتي التي أعرفها، لا إلى خيمة حارة في الصيف باردة في الشتاء.
 أمنيتي أن تعود الضحكة إلى وجوه أمي وأبي والناس الذين أعرفهم، وكل من حولي، وأن نأكل سويّا دون انتظار، وأن لا نبقى نصطف أمام التكايا، وأن تنتهي هذه الحرب اللّعينة، لنعود إلى حياتنا، ونرتب شكل غدنا القادم، ونعوّض ما فاتنا من علم، ونرمّم كل ما خرّبته الحرب، ونبكي طويلًا على كل ما فقدنا في هذه الإبادة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19816

العدد 19816

الإثنين 07 جويلية 2025
العدد 19815

العدد 19815

الأحد 06 جويلية 2025
العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025